وقد ذكر جالينوس في كتاب « الصنعة الصغيرة » ، الفرق بين المزاج الرديء العارض في المعدة من تغير مزاجها ، وبين مزاجها الرديء الذي يكون بالطبع. فقال : ان صاحب المزاج الرديء العارض من مرض المعدة ، وتغير مزاجها ، يشتهي ما ضادّ مزاج معدته ، لا ما شاكله. وذلك أن كل مزاج خارج عن الاعتدال فإنما يشتاق الى هذه ، لأن من كانت فيه حرارة ويبس ، فإنما يشتهي الماء وهو بارد رطب. وكذلك المثال في الكيفيات ، وصاحب المزاج الرديء في المعدة بالطبع ، انما يشتاق الى الأشياء الملائمة لذلك المزاج. فإن كان تغيّر مزاج المعدة من قبل إفراط الحر ، يتبع ذلك قلة شهوة الطعام ، وعطش ، ووهن ، وحرقة ، وتلهّب ، وجشأ دخاني ، ومرارة الفم ، وإن كان تغيّر مزاجها من إفراط البرد ، تبع ذلك شهوة للطعام ، وجوع شديد ، ، مع قلة استمراء ، وضعف العطش ، وجشأ حامض. وإن كان تغيّر مزاجها ، من الرطوبة ، تبع ذلك الاستسقاء ، فأما أصناف المزاج الرديء الكائن في المعدة من كيموس (مجتمع) فيها إما بما يتولد فيها من فضول الأخلاط. وإما بما ينجلب اليها من الأعضاء. وربما كان تغيّر مزاج المعدة من سبب سوء مزاج من غير كيفيّة كيموس يجتمع فيها. وأكثر بما بين ذلك ، بالقيء لمن سهل عليه. وذلك أنه كان سبب سوء مزاج المعدة خلط رديء مجتمع فيها وأتت الأطعمة في وقت القيء متلوثة بذلك الخلط وكذلك النحو أيضا. وذلك أنه لا بد للثفل إذا خرج أن يكون مختلطا بالخلط الغالب على المعدة. فان لم يتبيّن ذلك بالقيء أو بالبراز كما ذكرنا ، علمنا أن السبب في علة المعدة بسوء مزاجها فقط. فإن وجد العليل الغثي والتهوع من غير الغاشي ، علمنا أن السبب في ذلك كيموس لا حج (ومريبك) في طبقات المعدة. فبهذه الدلائل التي ذكرنا يعلم اختلاف مزاجات المعدة في حال صحتها الغريزية وعند تغيّرها. وقد ذكر جالينوس في كتاب « المزاج » ، أن مزاج كل واحد من الأعضاء أكثر ما يعرف بأفعال الأعضاء. مثال ذلك أنّا نستدل على مزاج المعدة بجودة استمراء الطعام ، وردائته فإن كانت المعدة تستمريء الطعام جيدا ، فهي معتدلة المزاج. وإن كانت لا تستمرئه جيدا بل يفسد الطعام فيها فهي غير معتدلة المزاج. فإن كان الطعام الذي يفسد في المعدة إنما يتدخّن ، من غير أن يكون ذلك يعرض له