والهبات ، كذلك كان يعمل به عدد وافر من الأطباء كل في اختصاصه (٥): كالجرائحي ، والكحال ، والطب الداخلي. وكان للأطباء رئيس وفيه قسم للأمراض السارية الخطرة كالجذام ، وقسم للمجانين. وصيدلية يقوم عليها صيدلي ومساعدون.
وكان البيمارستان عبارة عن مدرسة طبية أيضا فيها أساتذة كبار وطلاب من مختلف الأصقاع والأقطار(٦) ، ومكتبات عامرة.
ونظرا للمكانة التي كان يتمتع بها ابن الجزّار فلا شك بأنه كان استاذا في هذا البيمارستان الشيء الذي دفعه الى تأليف الكتب العديدة لحاجة الطلاب لها. كذلك طلابه الذين تخرجوا عنه ، والأطباء الكثيرون الذين ذكروا مؤلفاته في كتبهم.
وهكذا تشكلت في القيروان مدرسة طبية تدعى بالمدرسة الطبية القيروانية. وتضم « المدرسة القيروانية الطبية » لفيفا من مشاهير الأطباء العرب.
وكان أول من بدأ الطب فيها اسحاق بن عمران(٧) ، وهو مسلم النحلة ، على عكس ما يوحي به اسمه. وكان يلقب بسم ساعة أي أنه كان سريع شفاء المرض. ولد ونشأ في بغداد ولا نعرف عن نشأته الا القليل ولكننا بمقارنة الزمن الذي عاش فيه ، لا بد أنه قد أخذ عن أكابر العلماء في ذلك في « بيت الحكمة العباسي » وبلغ من شهرته أن استدعاه الخليفة الأغلبي زيادة الله. وقصة وروده الى افريقية والشروط الثلاثة التي وعد بها الخليفة ثم حنث بها مشهورة.
وهكذا قتل ابن عمران عام ٢٩٤ أو ٢٩٥ ه (٩١٧ ـ ٩٠٨ م) ، ولم تلبث دولة الأغالبة بعد وفاته بقليل أن انهارت *.
وقضى في تونس قرابة العشرين عاما. ويذكر ابن أبي أصيبعة له : ثلاثة عشر كتابا في مختلف المواضيع الطبية.
فيكون اسحق رأس المدرسة الطبية القيروانية التي كانت امتدادا
____________________
(*) انتهى زيادة الله الاغلبي نهاية يائسة فقد هرب الى مصر بعد أن ، استولى عبيد الله على الحكم ، ثم الى القدس حيث توفي فيها فقيرا يائسا.