أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطّاب حتّى قام ببابها ، فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهينَ ، فقال عمر لهشام بن الوليد : أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر ، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : إنّي أُحرّج عليك بيتي .
فقال عمر لهشام : أدخل قد أذنت لك ، فدخل هشام ، فأخرج أُمّ فروة أُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها الدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك » (١) .
فقل له : لا يخلو الأمر ، إمّا أن يكون فعل عائشة صحيحاً بإقامة النوح ، فلا يجوز لعمر أن يمنعه ، وإمّا أن يكون الأمر بالعكس ، ولمّا كانت عائشة تروون في حقّها : « خذوا شطر دينكم عن الحميراء » (٢) ، فهي أعلم من عمر الذي لم يرد شيء في فقاهته ، بل هو كان يعترف على نفسه فيقول : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر » (٣) .
إذاً فعقد مجلس النوح جائز وليس ببدعة ، وقد أقامته عائشة على أبيها .
وسله خامساً : لئلا يستزل الشيطان هذا السعودي فيقول بمنع عمر ، فإنّ عمر نفسه قد ناقض نفسه ، وذلك حين مات خالد بن الوليد ، فقد قال : « دعهنّ يبكين على أبي سليمان ـ وهو خالد بن الوليد ـ ما لم يكن نقع أو لقلقة ، والنقع التراب على الرأس ، واللقلقة الصوت » (٤) .
ونحو هذا رواه ابن عساكر عن محمّد بن سلام قال : « حدّثني أبان بن عثمان قال : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلّا وضعت لُمتها على قبر خالد ، يقول : حلقت رأسها » (٥) .
______________________
(١) تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦١٤ .
(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٤٢١ ، لسان العرب ٤ / ٢٠٩ ، تاج العروس ٣ / ١٥٤ .
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٩٩ و ١٥ / ١٧٩ .
(٤) صحيح البخاري ٢ / ٨١ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٦٧ .
(٥) تاريخ مدينة دمشق ١٦ / ٢٧٨ .