فأين كان عنهن عمر ؟ فلماذا لم ينه عن الحلق ؟
وعجيب أمر عمر في تناقضه ، فهو ينهى عائشة وآل أبي بكر عن النوح على أبي بكر وهو صاحبه ، ولولاه لما صار خليفة من بعده ، ويسمح بالبكاء لنساء بني المغيرة في النوح على خالد على ما كان بينهما من عداوة وهجرة ، كما هو معروف ، حتّى إنّ ابن حجر ذكر في « الإصابة » في أواخر ترجمة خالد : « وسمع ـ أي عمر ـ راجزاً يذكر خالداً ، فقال : رحم الله خالداً ، فقال له طليحة بن عبيد الله :
لا أعرفنّك بعد الموت تندبني |
|
وفي حياتي ما زوّدتني زادي » (١) |
وسله سادساً : عمّا ورد في تأبين الأموات ، بدءاً من وقوف فاطمة عليهاالسلام على قبر أبيها صلىاللهعليهوآله فقالت :
إنّا فقدنـاك فقد الأرض وابلهـا |
|
وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب |
فليت قبلك كان الموت صادفنا |
|
لما نُعيت وحالت دونك الكثب » (٢) |
ومروراً بمجيء أعرابي وقف على قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : قلت فقبلنا ، وأمرت فحفظنا ، وبلّغت عن ربّك فسمعنا : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٣) ، وقد ظلمنا أنفسنا ، وجئناك فاستغفر لنا ، فما بقيت عين إلّا سالت (٤) .
وكذلك موقف ابن مسعود على قبر عمر يبكي ، ويطرح رداءه ثم أبّنه (٥) ، وانتهاءً بقول أمير المؤمنين عليهالسلام على قبر خبّاب بن الأرت ، لمّا رجع من حرب صفّين إلى الكوفة ، فوجد خبّاباً قد مات ، فوقف على قبره وقال : « رحم الله
______________________
(١) الإصابة ٢ / ٢١٩ .
(٢) شرح الأخبار ٣ / ٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٢٨٩ .
(٣) النساء : ٦٤ .
(٤) العقد الفريد ٣ / ١٩٤ .
(٥) المصدر السابق ٣ / ١٩٥ .