عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت عليه وسألته كيف به فاستوى جالسا فقلت : لقد أصبحت بحمد الله
__________________
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى من غيره ، ولأن الامامة والخلافة كانت ثابتة فيه ، وكيف يبايع وهو على يقين صادق ، واعتقاد راسخ من أن الصحابة وعلى يقين من أن محل علي (عليه السلام) منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير ، فسدل دونها ثوبا ، وطوى عنها كشحا وطفق يرتأي بين أن يصول بيد جذاء ، أو يصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأى أن الصبر على هاتا أحجى ، فصيروا وفي العين قذى ، وفي الحلق كيف يبايع أبو الحسن (عليه السلام) وهو يقول بصراحة وشهامة لأبي بكر : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي.
ولو فرضنا بيعته لأبي بكر فمعناها انه (عليه السلام) صادق ووافق على امامة أبي بكر ، فما معنى هذه الخطب والمناشدات والاحتجاجات التي صدرت منه (عليه السلام) خلال حكومة ابي بكر وعمر وعثمان في عدة مناسبات ومشاهدات ، ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ـ النساء : ١١٥.
ولشيخ الطائفة الشيخ المفيد محمد البغدادي حديث في الدلالة على أن أمير المؤمنين (ع) لم يبايع أبا بكر ، فقد قال رضي الله عنه : قد اجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (ع) تأخر عن بيعة أبي بكر فالمقلل يقول تأخره ثلاثة أيام ، ومنهم من يقول : تأخر حتى ماتت فاطمة عليها السلام ثم بايع بعد موتها ، ومنهم من يقول تأخر أربعين يوما ، ومنهم من يقول : تأخر ستة أشهر ، والمحققون من أهل الامامة يقولون لم يبايع ساعة قط فقد حصل الاجماع على تأخره عن البيعة ثم اختلفوا في بيعته بعد ذلك على ما قدمناه به الشرح.
فمما يدل على انه لم يبايع البتة انه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالا أو يكون ضلالا وتركه هدى وصوابا أو يكون صوابا وتركه صوابا ، أو يكون خطأ وتركه خطأ ، فلو كان التأخر ضلالا وباطلا لكان أمير المؤمنين (ع) قد ضل بعد النبي (ص) بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه وقد أجمعت الأ مة على ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقع منه ضلال بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في طول زمان أبي بكر وأيام عمر ، وعثمان وصدرا من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الأمة ، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا ، وان كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطأ وضلالا فليس يجوز أن يعدل عن الصواب الى الخطأ ولا عن الهدى الى الضلال ، سيما والاجماع واقع على انه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه ، ومحال أن يكون التأخر خطأ وتركه خطأ للأجماع على بطلان ذلك أيضا ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال.
وليس يصح أن يكون صوابا وتركه صوابا لأن الحق لا يكون في جهتين مختلفتين ولا على وصفين متضادين ولأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعمون على انه لم يكن اشكال في جواز الاختيار وصحة امامة أبي بكر ، وانما الناس بين قائلين ، قائل من الشيعة يقول : ان امامة أبا بكر كانت فاسدة فلا يصح القول بها أبدا ، وقائل من الناصبة يقول آنها كانت صحيحة ولم يكن على أحد ريب في صوابها إذ جهة استحقاق الامامة هو ظاهر العدالة والنسب والعلم والقدرة على القيام بالأمور ، ولم تكن هذه الأمور تلتبس على أحد في أبي بكر عندهم وعلى ما يذهبون إليه فلا يصح مع ذلك ان يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا لأنه لا يكون متأخرا لفقد الدليل بل لا يكون متأ خرا لشبهة وانما يتأخر إذا ثبت انه تأخر للعناد فثبت بما بيناه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع