غير الاتّصال ، فمن أين يلزمنا الحكم بطهارة ما لم يحصل فيه امتزاج أصلا بمجرّد الاتصال؟ وهو خلاف مورد الدليل ، وليس هناك نصّ على علّة مشتركة توجب اشتراكهما في الحكم. وبالجملة فهذا واضح غنيّ عن البيان.
وأمّا الثالث : فهو أمتن الوجوه وأقربها ، إلّا أنّه موقوف على وجود دليل نقليّ يدلّ ـ ولو بالعموم ـ على أنّ الماء مطهّر لنفسه بقول مطلق ، ولا أراه موجودا (١).
وما مرّ من الاحتجاج لكون الماء مطهّرا بالآيتين إنّما يقتضي ثبوت ذلك في الجملة ؛ إذ لا عموم فيهما ؛ فلا بدّ في اثباته من ضميمة الاجماع على عدم الفصل ، وذلك لا يتأتّى في موضع النزاع ؛ لظهور الخلاف فيه ، ولما دلّ النصّ والاجماع على أنّ وقوع النجاسة في الكثير أو وقوعه عليها لا يمنع من استعماله ، ولا يثمر (٢) فيه تنجيسا وإن كثرت ما لم يغيّره (٣). وكذا جميع أجزائه ، إذا لم يتميّز النجاسة فيها ، وهو يقتضي إلغاء حكمها ، حيث يشيع في أجزاء الماء ، وتصير مستهلكة به (٤).
فلا جرم كان ذلك دالّا بمفهوم الموافقة على أنّ الماء النجس بهذه المثابة. فإذا وقع في الماء ، أو وقع الماء عليه وصار مستهلكا فيه بحيث شاعت الأجزاء ولم يتميّز ، وجب الحكم بطهارته ؛ لما ذكر.
وهذا معنى الامتزاج الذي نعتبره في حصول التطهير.
__________________
(١) جاء في هامش « ج » : لم أر موافقا من الأصحاب على الاحتجاج بهذا الطريق حال كتابته. ثمّ إني وجدت الشيخ رحمهالله احتجّ بمثله في الخلاف ، وقد حكيت عبارته في ذلك لغرض اقتضاء الحال في بحث الجاري فإن شئت فقف عليها هناك. منه رحمهالله.
(٢) في « ب » : ولا يتميّز فيه تنجيسات.
(٣) في « ب » : ما لم تغيّره.
(٤) في « ب » : مستهلكة له.