إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ المعتبر من الدفعة (١) ما لا يخرج به الماء عن كونه متساوي السطح ، ومآله إلى ما يبقى به صدق الاجتماع والوحدة عرفا ؛ لما عرفت من أنّ الموجب لاعتبارها هو التحرّز من انفعال بعض أجزاء الماء ، وهو إنّما يكون بخروجه عن الوحدة المعتبرة ، فلا يرد حينئذ ما أورده بعض الأصحاب من أنّ الدفعة لا يتحقّق لها معنى لتعذّر الحقيقة وعدم الدليل على العرفيّة.
وأمّا ما يوجد في كلام بعض المتأخّرين من تعليل اعتبارها بالنصّ فغريب ؛ إذ لم ينقل أحد من الأصحاب في الاحتجاج على ذلك خبرا ، ولا هو موجود في كتب الأخبار المعروفة ، وما رأينا في كتب الاستدلال مثل المنتهى في كثرة التتبّع للأخبار والاحتجاج بها ، ومع ذلك فلم يستدلّ فيه على اعتبارها بشيء.
نعم استدلّ على طهارة الكثير المتغيّر بالقاء الكرّ دفعة بأنّ الطاري غير قابل للنجاسة لكثرته ، والمتغيّر مستهلك فيه فيطهر. وكأنّه أحال الاحتجاج لحكم القليل ، على ما ذكره في الكثير حيث إنّه في كلامه متقدّم.
وقد سبقه إلى هذا الاستدلال شيخه المحقّق فاحتجّ في المعتبر لطهارة القليل غير المتغيّر بالقاء الكرّ : بأنّ الطاري لا يقبل النجاسة ، والنجس مستهلك به فيطهر (٢).
وفي ذلك دلالة واضحة على ما قلناه من عدم وجود دليل يدلّ على خصوص
__________________
(١) في « ج » : حكى والدي رحمهالله في بعض فوائده عن بعض الأصحاب أنّه فسّر الدفعة بالمتواصل المتواتر من غير فتور : أن يتّحد الماء ان بسرعة ، وناظر إلى ما ذكرناه من أنّ الاكتفاء تدريجيّا يخرج عن الوحدة ولو في بعض الأجزاء ، وهو يقتضي انفعالهما فينقص الطاهر عن الكرّ فلا يصلح لإفادة التطهير. منه رحمهالله.
(٢) المعتبر ١ : ٥١.