هذا ، وقوله لسارة : إنها أختي » (١) قلت : هذا من أخبار الآحاد فلا يعارض الدليل القطعي الذي ذكرناه ، ثم إن صح حمل على ما يكون ظاهره الكذب. فأما قوله لسارة : « إنها أختي » فمعناه أنها أختي في الدين ، أو نظرا إلى انتسابهما إلى آدم أو إلى سائر الأجداد.
( الشبهة الرابعة ) تمسكوا بقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِي حَاجَّ إِبْرٰاهِيمَ ) (٢) الآية انتقل من دليل إلى دليل. وهذا يدل على عجزه عن نصره دليله الأول. وأيضا فكان من الواجب عليه دفع ذلك السؤال وإزالة تلك الشبهة فكان الإعراض عنه ذنبا عظيما.
( والجواب ) : أن الدليل واحد لم ينتقل إلى غيره ، ولكن انتقل من مثال إلى مثال آخر لعلمه بقصور فهم المخاطب عن إدراكه المقصود من المثال الأول. وذلك لأن إبراهيم عليه السلام استدل بحدوث حادث يعلم كل أحد عاقل بالضرورة عجز البشر عنه؛ وذلك يفيد العلم بوجود الإله تعالى. وهذه القضية الكلية لها جزئيات منها الاحياء والإماتة ، ثم إن نمروذ دعا برجلين. فقتل أحدهما ولم يقتل الآخر. فقال عند ذلك : ( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) وكان إبراهيم قادرا على أن يقول : لست أعني به الإحياء والإماتة بهذا التفسير ، وإنما المراد منه شيء آخر لعلم كل أحد بالضرورة عجز البشر عنه ، إلا أنه عليه السلام مبالغة في الإيضاح عدل عن ذلك المثال إلى آخر وهو طلوع الشمس وغروبها. فظهر أنه لم يحصل منه الانتقال من الاستدلال إلى الاستدلال بل من المثال إلى مثال آخر.
ثم هاهنا بحث وهو أن الغرض من هذا الاستدلال إما إثبات الإله للعالم ونفي كون نمروذ إلها ، أو نفي كونه شريكا للّه تعالى. فإن كان
__________________
١ ـ الحديث رواه البخاري ومسلم والامام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة.
٢ ـ سورة البقرة الآية ٢٥٨.