مزيدٌ من الكلام.
نعم ، ربّما يقال : إنّ تخطئة الفقهاء بعضهم بعضاً في المطالب الفقهيّة مع اتّفاقهم على تعدّد الظاهري بتعدّد الأنظار ، واختلافه باختلاف الأفكار ، يدلّ على أنّ اختلافهم وتخطئتهم ليس بالنسبة إلى الحكم الظاهري ، بل الواقعي ، فلا يصحّ صرف الأحكام عن الواقعيّة.
وأُجيب : بأنّ البحث عن الأحكام الواقعيّة لا ينافي كون الفقه هو الأحكام الظاهريّة ، فإنّ الأحكام الفقهيّة الحاصلة للمجتهدين من حيث وجوب الأخذ بها والحكم بمقتضاها تكون فقهيّة ، ومن حيث مطابقة الواقع أو مقتضى الأدلّة الشرعيّة تكون خلافيّة ، فبالحيثيّة الاولى تكون معلومة للفقيه قطعيّة ، وبالحيثيّة الثانية تكون متعلّقة للاجتهاد ظنيّة ، فوقوع الخلاف في المسائل الفقهيّة ، وكون المنظور حين الاستدلال هو الوصول إلى الواقع أو إصابة مقتضى الأدلّة الشرعيّة ، لا يقتضي أنّ الملحوظ في صدق الفقه الأحكام الواقعيّة ، ضرورة ابتناء التكاليف على الأحوال الظاهريّة ، كما هو مقتضى الشريعة السمحة السهلة الحنيفيّة.
وقد أكثر علماؤنا الأعلام في هذا المقام من المناقشات بالنقض والإبرام ، أضربنا عنها مخافة التطويل ، فليراجعها في المطوّلات مَنْ أراد الوقوف عليها من أهل التحصيل ، ولعلّ في ما ذكرناه كفاية لمن سلك سواء السبيل.
وأمّا سؤال الأحكام فقد أُجيب عنه :
تارةً باختيار الشقّ الأوّل ومنع فساد العكس ، بجعل العلم بمعنى الملكة والتهيّؤ القريب للإحاطة بالكلِّ مجازاً ، تنزيلاً للقوّة القريبة منزلة الفعليّة ، وإطلاق العلم على المعنى المذكور متداولٌ في الإطلاقات كثيرٌ في الاستعمالات ، فيكون إمّا حقيقة عرفيّة ، أو مجازاً مشهوراً. والفقيه وإنْ لم يُحِط بجميع المسائل بالفعل إلّا إنّ عنده تلك الملكة والتهيّؤ بحيث يستخرج بهما ما يسنح له من الفروع ممّا لديه من