وأنت خبيرٌ بأنّ الظاهر من كلماتهم عدم إرادة إفادة الاختصاص ، بمعنى عدم إمكان الانتساب إلى الغير أصلاً ليرد ما ذكر ، وإنّما ظاهرها إنْ لم يكن صريحها إفادة الاختصاص بمعنى تعيين المعنى المحقّق للانتساب ، وهذا لا ينافي جواز الإضافة إلى غير المضاف إليه ولا يمنع التعدّي عنه ، فقولك : الله ربي ورازقي وخالقي ومصوّري ، أنّما يفيد الاختصاص بمعنى تعيين وجه النسبة ، أي : أنّ إضافتك الله من حيث كونه ربّاً وخالقاً ورازقاً لك ، إذ لا بدّ في الإضافة من نوع مناسبة وملابسة ، وهذا المعنى لا ينافي إضافته تعالى إلى غيرك المتحقّق فيه نوع الملابسة ، لدوران الإضافة مدارها وجوداً وعدماً.
فإنْ أرادوا الاختصاص بالمعنى الذي استظهرناه فلا إشكال فيه ولا اشتباه ، وإنْ أرادوا المعنى الذي استظهره المحقّق المذكور فهو بمكان من الضعف والقصور.
بقي الكلام في المراد من اسم العين والمعنى ، وقد اختلفت الكلمة في المراد منهما هنا ، فبعضهم قال : ( إنّ المراد باسم المعنى هو المعنى المصطلح عليه عند النحاة ) ، يعني : ما دلّ على معنى قام بغيره ، وقال : ( إنّه المفهوم من إطلاقه ، فيتناول المصدر ).
ولا يخفى ما فيه من لزوم الدور ، لأخذه المعنى في تفسير اسم المعنى ، مع أنّه لا يصلح لتعريف اسم العين بمقابله ، كما هو ديدنهم من الاكتفاء بتعريف أحدهما عن تعريف الآخر ؛ لمعرفته بالمقابلة ، وكأنّه لاحظ تعريف بعض النحاة لاسم العين بأنّه اسم شيء يقوم بذاته ويستغني عن محلٍّ يقوّمه.
ثمّ تعريف اسم المعنى بمقابله ، أي : اسم شيء لا يقوم بذاته ويحتاج إلى محلّ يقوّمه ، ولكن تسامح في التعبير لعدم قصده الحدّ الحقيقي ، بل التفسير اللفظي ، وفيه تأمّل ، ثم قال : ( وزعم المحقّق الشريف أنّ المراد به ما دلّ على شيء باعتبار معنى وحاصله المشتق ) (١).
__________________
(١) هذا آخر ما جاد به المصنِّف في هذا الكتاب.