أقلّ لبقائنا وبقائكم ».
قال : ثمّ قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا ، وهم يخرجون من عندكم مختلفين! فأجابني بمثل جواب أبيه (١).
ومثله : رواية ابن أَشْيَم ، قال : فلمّا خرج القوم نظر إليّ ، فقال : « يا ابن أَشْيَم ، كأنّك جزعت ».
قلت : جعلت فداك ، إنّما جزعت من ثلاثة أقاويل في مسألة واحدة. فقال : « يا ابن أَشْيَم ، إنّ الله فوّض إلى داود أمر ملكه ، فقال ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢) وفوّض إلى محمَّد صلىاللهعليهوآله أمر دينه ، فقال ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٣) ، وإنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى الأئمّة منّا وإلينا ما فوّض إلى محمَّد صلىاللهعليهوآله (٤) ». ويظهر منهما وأمثالهما أنّ أحكام التقيّة لا تنافي اليقين وعدم خطأ العالمين بأخبارها.
والمراد بالتفويض تفويض بيان الحكم الواقعي في مواضعه وحكم التقيّة في محلّه ، والسكوت فيما لم يروا المصلحة في بيانه ، ولا ينافيه تعدّد الأجوبة ؛ لأنّ من الأشياء أشياء موسّعة تجري على وجوه كثيرة ، وإنّ لها عند الأئمّة سبعين وجهاً ، كما رواه في ( المحاسن ) عن عبد الأعلى بن أعْيَن ، قال :
سأل علي بن حنظلة أبا عبد الله عليهالسلام عن مسألة وأنا حاضر فأجابه فيها ، فقال له علي : فإنْ كان كذا وكذا؟ فأجابه بوجه آخر ، حتى أجابه بأربعة أوجه ، إلى أنْ قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إنّ من الأشياء أشياء مضيّقة ليس تجري إلّا على وجهٍ واحد إلى أنْ قال ومن الأشياء أشياء موسّعة ، تجري على وجوه كثيرة ، وهذا منها ، والله إنّ له عندي لسبعين وجهاً (٥) ».
وتلك الأجوبة يحتمل أنْ تكون كلّها أو بعضها من باب التقيّة، لعلمهم بأنّ السائل قد يضطر إليها ، وأنْ يكون كلّها حكم الله في الواقع ، إذ ما من شيء إلّا وله ذوات وصفات متعدّدة متغايرة تترتّب عليها أحكام مختلفة ، فلو أُجيب في كلّ فرع بجواب مخالف للسابق كانت كلّها صادقة في نفس الأمر وإن لم يعلم السائل وجه صحّتها ،
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٥ / ٥. (٢) ص : ٣٩.
(٣) الحشر : ٧. (٤) بصائر الدرجات : ٣٨٣ / ٢ ، البحار ٢ : ٢٤١ / ٣٢.
(٥) المحاسن ٢ : ٦ / ١٠٧٥ ، البحار ٢ : ٢٤٣ / ٤٦.