المخطئ منهم ، وإلّا لانتفت فائدة البقاء ، مع أنّ الاتّفاق قد يحصل مع تفرّق الأبدان ، وقد يمتنع مع اجتماعها.
وممّا يدلّ على إمكان الثلاثة إجمالاً أنّه إذا تقرّرت حجّيّته لزم دوامها لإناطة الاستدلال به بهذه الثلاثة ، فإذا لم يمكن حصولها فأيّ فائدة في حجّيّته ، وأيّ مزية لذكرهم له في حجج الفقه وأدلّته ، فما هو حينئذٍ إلّا كالمحال والمعدوم اللذين لا يرجوهما ذوو الحلوم ، كما لا يخفى على مَنْ نفث في روعه فانبث فيه أنهار العلوم. فيلزم منه نسبة الأئمّة والعلماء الأبدال إلى ارتكاب العبث لعدّهم من جملة الأدلّة المحال ، وهو من البطلان بمكان لا يجهله إلّا مَنْ لم يصلح الله له البال ، ولم يرتضع من ثدي العلم المثقال.
واحتجّ القائلون بعدم الحجّيّة من المخالفين (١) كإبراهيم النظام وجعفر بن حرب وجعفر ابن مبشّر بآيات :
منها : قوله تعالى ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٢) ، وقد استدلّ بعضهم أيضاً بها على الحجّيّة من جهة العقل.
ووجه استدلالهم على الحجّيّة : أنّه يفهم منه عدم وجوب الردّ مع الاتّفاق.
وردّ بوجوه ، منها : أنّ ما يرتفع به النزاع لا بدّ أنْ يكون مردوداً إلى الكتاب والسنّة ؛ لأنّهم لا يجمعون إلّا عن دليل ، وهو إمّا من الكتاب أو السنّة.
ووجه استدلالهم على عدمها : أنّ المفهوم منها أنّ المرجع أنّما هو الكتاب والسنّة.
وأُجيب بأنّ الآية لا تدلّ على حصر الدلالة فيهما ، وأيضاً فإنّ المجمع عليه لا تنازع فيه.
وقوله تعالى ( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) (٣).
__________________
(١) انظر : القوانين : ١٧٩.
(٢) النساء : ٥٩.
(٣) النحل : ٨٩.