وأسباب الحدس والتتبّع مختلفة ، فيتفاوت الحال بالنسبةِ إلى الناظرين والمتتبّعين. ألا ترى أنّ الشيعة مجمعون على حرمة العمل بالقياس مع أنّ ابن الجنيد نُقل عنه جوازه ثمّ رجع (١) ، ولا ريب أنّ هذا الحكم إجماعيٌّ ، وكذا قراءة دعاء الهلال (٢) ، فإنّ العلماء مجمعون على استحبابه ، مع أنّ الشيخ الجليل الحسن بن أبي عقيل قائلٌ بوجوبه.
فتحقّقه في كلّ من الأزمنة بالنسبة إلى الأشخاص ؛ إمّا يقينيٌّ أو ظنيٌّ ، واليقيني مختلفٌ في مراتب القطع ، والظنّي في مراتب الرجحان ، فلا يلزم القول بأنّ الإجماع المتحقّق في نفس الأمر لا بدّ أن يحصل العلم بكلِّ واحد واحد وعدم وجود المخالف.
وهذه الأدلّة الاثنا عشر أقصى ما وجدته متفرّقاً في كتبهم بحسب استدلال كلّ واحد منهم بدليل منها أو أكثر ، والله العالم.
ما هنا من خلاف الإماميّة في حجّيّة الإجماع ينافي ما قاله جماعة منهم المحقّق القمّي في ( القوانين ) ، والشهيد في ( القواعد ) ، وصاحب ( الفوائد الحائريّة ) من الردّ على المخالفين ، حيث نسبونا إلى القول بعدم حجّيّة الإجماع.
قال في ( الفوائد الحائرية ): ( وبالجملة ، فلا نزاع بين الشيعة في كون الإجماع حجّة ، بل لا يمكنهم النزاع ؛ لأنّ الإجماع كاشفٌ عن قول المعصوم ، فهو طريقٌ إلى [ الحجّة (٣) ] كالخبر وطريقُ قطعٍ ، [ و (٤) ] لا نزاع بينهم أيضاً في وجوده والعلم به ، ومدار الشيعة من الكليني ومَنْ تأخّر عنه على العمل به في كتبهم الاستدلاليّة والأُصوليّة والأخباريّة والفقهيّة ) (٥) انتهى.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣٨٨ / ١٠٤٧ ، الوافية في أُصول الفقه : ٢٣٦.
(٢) القوانين : ١٨٣.
(٣) في المخطوط : ( الحجيّة ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٤) من المصدر.
(٥) الفوائد الحائرية : ٣٠٢.