بل تعمّق قومٌ فقالوا : ( إنّ انتساب القول إلى المعصوم في ضمن الإجماع قطعي ، ولا في ضمنه ظنّي ) (١). فرجّحوه بهذا على الخبر الدالّ على قول المعصوم صريحاً ، وقد تقدّم مع ما فيه.
وحينئذ ، فوجه حصر الدليل في الكتاب والسنّة أنْ يقال : دليل الحكم الشرعي ؛ أمّا وحي ، نوع لفظه معجز وهو الكتاب ، أو غير معجز وهو السنّة. أو كاشف عن وحي وهو الإجماع. فبطل عدّ دليل العقل دليلاً ؛ لأنّه ليس وحياً ولا كاشفاً عنه ، كما اعترف به الشيخ البهائي في حواشي ( الزبدة ) (٢) في وجه حصر الأدلّة في الأربعة ، والله العالم.
وأمّا مخالفونا فإذ خالفونا اختلفوا في وجه حجّيّته ؛ فبعضٌ قال : إنّها من جهة العقل ، وآخرون : إنّها من جهة النقل.
احتج مَنْ قال : إنّها من جهة العقل ، بأنّ المجمعين مع كثرتهم وانتشارهم في البلدان والأمصار وتشتّتهم في الأقطار واختلاف آرائهم تمنع العادة اجتماعهم على الخطأ.
ولو جوّز اجتماعهم عليه لجاز اتّفاقهم على أكل طعام واحد ولبس لباس واحد ، وأنْ يأتي الشعراء الكثيرون على اختلاف لغاتهم وقرائحهم بقصيدة واحدة على وزن واحد في معنى واحد ، وبطلانه ضروريٌّ ، وهو دليل على عدم اجتماعهم على الخطأ.
وردّ بأنّ ما ذكروه لا يشبه مسألة الإجماع ؛ لأنّ جميعه تابعٌ للدعاوي والآراء ، وتمنع العادةُ اتّفاقهم في الدعاوي والآراء في المسألة التي ذكروها ، وليس مسألة الإجماع من هذا الباب ، لجواز دخول الشبهة عليهم فيعتقدون ما ليس دليلاً دليلاً ويجمعون عليه كما دخلت في هذه الأُمّة ؛ لأنّ مَنْ خالف الإسلام كاليهود والنصارى
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٢٥.
(٢) الزبدة : ٤٨ ( الحاشية ).