ولكن يحتمل فيه عدم استقصاء التفتيش ، كما يوجد في كلام كثير من الأصحاب من دعوى الإجماع مع وجود المخالف ، وهو كما مرّ ؛ إمّا لعدم اعتداده بقول المخالف ، أو لعدم اطّلاعه عليه أو تأخّره عن الإجماع ، أو عدم اطّلاع المخالف على الإجماع ، أو لأنّه اقتصر على نقل مَنْ تقدّمه ، ولعلّ السابق لم يعتدّ بقول المخالف ؛ لمعلوميّتة عنده أو ضعف دليله.
فهذه الاحتمالات جارية في دعوى عدم الخلاف ، وعدم الاعتداد بقول المخالف لمعلوميّته لا يضرّ في الإجماع الصريح ، بخلاف السكوتيّ فإنّه لا بدّ فيه من كمال التفتيش ، ويقدح فيه وجود المخالف وإن كان معلوم النسب.
وهو الذي يحصل بالاطّلاع على كثير من أقوال الفرقة المحقّة وأعمالهم وفتاويهم بالتسامع شيئاً فشيئاً ، حتى يحصل للمستنبط المستوضح قطعٌ بأنّ الفتوى والعمل مطابقان لفتوى إمامهم وعمله ، بحيث لو ورد عن الإمام خبرٌ يخالف ما أجمعوا عليه حصل لذلك المتتبّع محمل صريحٌ يصرفه إليه ويحمله عليه ، ولا يقدح فيه عروض مخالف له ؛ لتراكم القرائن وتطابقها واتّحاد أقوالهم وأعمالهم أو اتّفاقها.
وهذه من الطرق التي يعرف بها قول الإمام عليهالسلام كما مرّ ، فيحصل العلم بمذهب الإمام جعفر بن محمَّد عليهماالسلام بفتوى جماعة من خواصّه كزرارة وأتباعه. كما نعلم أنّ الشافعيّة مذهبهم كاشفٌ عن مذهب محمّد بن إدريس الشافعي ، وأنّ قوله داخلٌ في أقوالهم ، كما نعلم أنّ أقوال الأئمّة الأربعة داخلة في أقوال متابعيهم.
فإنْ قيل : هذا لا يحصل إلّا مع الاتّفاق وعدم حصول مخالف بأخبار كلّ من القائلين عن اختياره ، ومع العلم بصدقه بأن لا يخالف ظاهره باطنه ، وهذا متعذّر.
قلنا : إنّا لا نعتبر إلّا اتّفاق مَنْ يعتبر قوله ، ولا يعتبر قوله إلّا إذا كان بهذه الصفات ، وهذا حاصل.
وقد تقدّم أنّ وجود المخالف لا يضرّ ؛ لما عرف سابقاً ، على أنّا نقطع في بعض