التامّ والنيابة العامّة بأزمّتها أنْ يخوض في هذه العلوم لردّ الخصوم.
ثمّ إنّ بعض العلماء جوّز تجزّؤ الاجتهاد ، مستدلّاً بقوله عليهالسلام : « يعلم شيئاً من قضايانا » (١) ؛ لأنّ « شيئاً » نكرة في سياق الإيجاب.
وزيّفه بعضٌ بأنّ « من » فيه بيانيّة لا تبعيضيّة ، فلا دليل فيه.
وهو معارَضٌ بأنّ كونها للتبيين قليلٌ ، حتى أنكره قومٌ ، وقومٌ خصّوه بما إذا كان بعد ( ما ) و ( مهما ) كقوله تعالى ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) (٢) ، و ( مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ ) (٣). وكونها للتبعيض كثيرٌ ، والحمل على الكثير خيرٌ من الحمل على القليل.
نعم ، يقال : ليس المراد معرفة جميع القضايا والأحكام ؛ لتعذّر الاطّلاع على جميع ما ورد عنهم عليهمالسلام ، بل المراد معرفة ما تيسّر منها بحسب الإمكان أو القدر الوافر منها ، أو ما يتعلّق بتلك الواقعة كما هو المفهوم من قوله عليهالسلام : « يعلم شيئاً من قضايانا ».
وأمّا ما قاله بعض المشايخ المعاصرين (٤) من أنّ قوله عليهالسلام : « شيئاً » إشارة إلى أنّ العلوم التي خرجت منهم لإرشاد غيرهم وهم المكلَّفون ، ومنهم حملة علومهم على تعدّد مراتبهم إلى بلوغ نهاية ما يمكن بعضٌ من كلّ بعيدٌ يأباه سياق الكلام ، راجع إلى ما أراد نفيه في المقام ، إذ معرفة ذلك البعض كلّه أيضاً ممّا لا تبلغه قدرة غير المعصوم عليهالسلام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام من سائر الأنام ، فضلاً عن الجهابذة العظام ، والله أسأل التوفيق وحسن الختام.
وهذا ما سنح بالفكر القاصر والفهم الكليل الحاسر على زيادة من البلبال وتشتّت من البال ، والمرجوّ من الناظر الخبير والناقد البصير عدم المسارعة في الردّ والمقال ، وأنْ ينظر إلى ما قيل لا إلى مَنْ قال ، وإسدال سجف العفو على ما يجده من الهفو ، بعد
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١ ، ح ٥.
(٢) البقرة : ١٠٦.
(٣) الأعراف : ١٣٢.
(٤) الشيخ محمد آل عصفور. ( منه ).