هذه الأعاريب ، كما لا يخفى على اللّبيب والأديب الأريب ، وإنّما نبّهنا عليه هنا تمهيداً لبطلان ما توهّمه السائل الفاضل من منافاة هذا الوجه لاشتراطهم القطعيّة في مدخول الواو الحاليّة ، وعدم وروده عليه بالكلّيّة ، كما سيأتي التنبيه عليه في الكلام على كلامه. وإلى الله المنتهى في مبدأ الأمر وختامه.
وحيث قد وفّق الملكُ الوهّاب لإتمامِ الجواب فلنوفِ ما وعدنا به من ذكر ما أورده السائل السامي الجناب ، ثمّ لنتكلّم عليه بما يكشف غبار الارتياب ، فأقول :
قال السائل وفّقنا الله وإيّاه لاقتناء الفضائل والفواضل ـ :
بسم الله ، أقول : ذكر المجيب أعلى الله رتبته وأنعم إجابته ـ : إنّ النحاة واللّغويّين صرّحوا بأنّ ( هبني ) فعل أمر وهو من أفعال القلوب بمعنى ظُنّ بضمّ الظّاء ، وهذا لا ينطبق على وفق الدعاء ، إذ الظّن عندهم هو ما احتمل النقيض ، فيرجع بالآخرة إلى التردّد بين العلم وعدمه ، وهذا لا يجوز نسبته إلى العليم الخبير سبحانه ، ولا يعارض بالتردّد المنسوب إليه تعالى في الكلام القدسيّ من قوله سبحانه : « ما تردّدت في شيءٍ أنا فاعله » (١) .. الى آخره ، أو قد خرّجوه على وجوه ليست من الظّن في حال.
وأمّا ما نقلوه عن ( القاموس ) فهو بمعزل عن المسئول عنه ؛ لأنّه هناك من باب ( وَهَب ) بمعنى : أعطى ، والواو فيها واو الكلمة لا خارجة ، غير أنّها تحذف من فعل الأمر ، ويكون معنى قوله في ( القاموس ) : ( احسبني واعددني ) (٢) : اجعلني من المحسوبين في هبتك والمعدودين من أهل كرامتك ، وضمير الكاف المنسوب إليه الخطاب أعمّ من أنْ يكون هو الله سبحانه أو غيره ، فما برح السؤال عارياً من الجواب عند من كانت له أدنى ملكة من اولي الألباب.
وأمّا نسبة ( الواو ) إلى الحاليّة في المثال المسئول عنه ، أيّ : ( لأُكرمنّ زيداً وإنْ
__________________
(١) المؤمن : ٣٢ ٣٣ / ٦٢ ، ٦٣ ، علل الشرائع ١ : ٢٣ / ٧ ، الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة : ٩٩ ، البحار ٦٤ : ٦٦ / ٢٣.
(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥.