وأمّا من جعل الأُصول هنا بالمعنى الأوّل من الاصطلاحي ، فجعله مجموع طرق الفقه على الإجمال ، محترزاً بالأخير عن علم الفقه والخلاف ، وهو لا يخلو من تكلّف ؛ لعدم إشعار تلك الهيئة التركيبيّة بالمجموعيّة والإجماليّة ، مع ما عرفت من موضوعيّة الأدلّة ، وضرورة خروج موضوع الفنّ عن نفسه.
اللهمَّ إلّا أن يُتَكَلَّفَ قيد الحيثيّة في الأدلّة فيؤوّل إلى دلالة تلك الأدلّة على الفقه ، وإثبات تلك الدلالات أنّما يكون في الأُصول ، فمسائله حينئذ ثبوتها لتلك الأدلّة ، كدلالة الأمر على الوجوب ونحوه ، ومع ذلك يتّجه الإيراد بمباحث الاجتهاد والتقليد ، فإنّ البحث فيها ليس عن الأدلّة.
اللهمَّ إلّا أن يتكلّف إدراجها فيه باعتبار بحثها عن حال المستدلّ ، فيؤوّل إلى أن دلالة تلك الأدلّة على ثبوت الأحكام الشرعية إنّما هي بالنسبة إلى الجامع المخصوص ، فيرجع إلى البحث عن الأدلّة ، ولكن هذه الحيثيّة معتبرة في الموضوعيّة أيضاً ، على ما هو الظاهر من بعض وصريح من آخرين ، فتخرج عن الفنّ ولو بقيد الحيثيّة ، على أن مجرّد الملاحظة من حيث الدلالة على الفقه لا يجعل الأدلّة حين الدلالة ، كما لا يخفى على من أصلح الله باله.
والفقه لغةً : الفهم والعلم ، كما نصّ عليه غير واحد من أرباب اللغة ، كالفيروزآبادي (١) وابن الأثير (٢) ، والفخري (٣) ، والجواهري (٤).
فهو إمّا من : فَقِهَ يَفْقَهُ ، كعَلِمَ يَعْلَمُ وفَهِمَ يَفْهَمُ ، وزناً ومعنًى.
أو من : فَقُهَ يَفْقُهُ ككَرُمَ يَكْرُمُ إذا صار فقيهاً ، واشتقاقه من الفقه بمعنى الشق والفتح ، كأنّ صاحبه يشق دقائق الخفيّات ويفتح منها المغلقات ، ولهذا خصّه بعضهم بفهم الأشياء الدقيقة ، كما هو المنقول عن الراغب.
وربّما خصّ بفهم غرض المتكلّم من كلامه ، محترزاً به عن فهم غيره ، وفهمه من
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٤١٤ باب الهاء / فصل الفاء.
(٢) النهاية ٣ : ٤٦٥ باب الفاء مع القاف.
(٣) مجمع البحرين ٦ : ٣٥٥ باب ما أوّله الفاء.
(٤) الصحاح ٦ : ٢٢٤٣ فقه.