ولهذا ورد في بعض الأخبار : « لا يفقه العبد كلّ الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله تعالى ، وحتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة ، ثم يقبل على نفسه فيكون لها أشدّ مقتاً » (١).
ومثل هذا المعنى غير عزيز في الأخبار ، كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ، إلّا إنّ دعوى انحصار إطلاق الفقه في العصر السابق على المعنى السابق على الإطلاق لا يخفى ما فيه على الحذّاق.
إذا تقرّر هذا ، فالعلم لغةً وعرفاً : التصديق ، أي : الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع ، كما صرّح به غير واحد من الأعلام (٢) في كثير من المواضع ، وقد يطلق على الإدراك الشامل له وللتصوّر ، وهو متداول أهل الميزان. وعلى مطلق الاعتقاد سواء اعتبر فيه القيود الثلاثة أم لا. وعلى الملكة ، أي : الهيئة الثابتة الناشئة عن شدّة الممارسة وكثرة المزاولة والمدارسة التي يقتدر بها على استخراج المسائل من متفاوت الدلائل ، بل قد نصّ على كونه حقيقة عرفيّة في مصطلح أهل العلوم غلبةً أو نقلاً ، وعلى نفس المسائل المبيّنة في العلوم وهي القضايا أو المحمولات المنتسبة ؛ إمّا مجازاً تسمية للمعلوم ولو قوّة باسم العلم ، أو حقيقة عرفيّة خاصّة أو عامّة ؛ لشيوع إطلاقه عليها.
وحينئذ ، فهل المراد خصوص التصديق ، أو التصوّر ، أو الأعمّ؟ وجوهٌ وأقوالٌ.
أقواها الأوّل ؛ للتبادر الذي الأصل فيه كونه وضعيّاً ؛ لصحّة السلب عن التصوّري وبناء العرف على مجازيّته فيه ، ولا ينافيه صحّة التقسيم ؛ لقطعيّة التبادر وظنّيّته ، مع استلزام الأخيرين لدخول المقلّد والجاهل المركّب والمتردّد ، بل الكافر ، ضرورة حصول التصوّر للكلّ ، مع أنّ علمهم ليس فقهاً قطعاً. نعم ، يمكن إرادة الثالث وإخراج التصوّر بالأدلّة ، فإنّ المكتسب منهما هو التصديق والحجّة دون القول الشارح ، كما هو بيّن واضح.
ولا يرد خروج العلم بالموضوعات الشرعيّة المتعلّقة بالأحكام التكليفيّة الفرعيّة ،
__________________
(١) كنز العمّال ١٠ : ٣٠٥ / ٢٩٥٢٨ ، بتفاوت.
(٢) التعريفات ( الجرجاني ) : ٦٧ ، تاج العروس ٨ : ٤٠٥.