فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم افتراء على الله ، ومكرا مكرتم ، والله خير الماكرين ، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور»(١).
هكذا كان آل الحسين عليهمالسلام بعد قفولهم من أرض الفداء كربلاء الشهادة ، يوضحون للأمة كل ما أخفاه حقد الأعداء وكيد أزلامهم ، فكانوا غصة في حلق هؤلاء ، وشجة في لسان نصرهم المزعوم. فلم يكد آل أمية يتبجحون بسوأتهم هذه حتى تصك أسماعهم واعية الحسين عليهالسلام على لسان زينب بنت علي ، وفاطمة بنت الحسين عليهمالسلام ، ولا زالت خطب الإمام السجاد عليهالسلام تلعلع في خلوات الحق حينما ينطق كاظم الغاوين ، وينبغ خامل الأقلين ، ويهدر فنيق المبطلين ، كما شخصت ذلك سيدة النساء في ملحمتها الفدكية ، وسجلت بذلك ملاحم الفتن ، وموارد النكوص ، وبوائق الخذلان.
ولم يفتأ آل حرب عن حرب آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فبين قتيل أو طريد أو شريد ، يحصون عليهم أنفاسهم ، ويتحينون كل ما وسعهم في تنكيلهم والوقيعة فيهم ، فكلما أوقدوا للحرب نارا أطفأها الله ، وكلما أرادوا إطفاء نورهم أبى الله إلا أن يتم نوره ، ووجد آل حرب أن حربهم لآل الله لا يزيد قدرهم إلا علوا ، ولا شأنهم إلا سموا ، ولا ذكرهم إلا رفعة. فعكفوا على تزوير الحق ، والكذب ، والطعن ، واختلاق كل ما من شأنه أن يظهر منقصة
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرم : ٣١٤.