فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا؟!
أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليهالسلام هذا.
وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي عليهالسلام ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد.
قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلا عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جندا ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء.
كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب .. فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفا