والقراءة ، فكان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم بالجلوس والمحادثة ، فأقام بالمدينة حولا حتى لم يحس علته بشيء وأراد الشخوص إلى مكة ، وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فاغتمت اغتماما شديدا وضاقت به ذرعا ، وكان أشعب يخدمها ، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه قليلا ولا كثيرا ، ويعز ذلك علي ، فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا؟
فقال لها أشعب : جعلت فداك وأنى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه ، فارفعي طمعك والحسي تورك تنفعك حلاوة فمك. فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت تخرج أمعاؤه ، وخنقته حتى كادت نفسه أن تتلف ، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا ، فخرج على أسوأ الحالات ، واغتم أشعب غما شديدا وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك ، فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه فقيل : من هذا؟ فقال : أشعب ، ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلا من أنفه وجبهته على لحيته, وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها ، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه فقال له : ما هذا ويحك؟! فقص عليه القصة ، فقال ابن سريج : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا نزل بك والحمدلله الذي سلم نفسك لا تعودن إلى هذه أبدا.
قال أشعب : فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فيكون ذلك سببا لرضاها عني؟ قال ابن سريج : كلا