والله لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته.
قال أشعب : قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد ، وهي ساخطة علي فالله الله في ، أنا أنشدك الله ألا تحملت هذا الإثم فيّ.
فأبى عليه ، فلما رأى أشعب أن عزم ابن سريج قد تم على الامتناع ، قال في نفسه : لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت ، فصرخ صرخة أذن أهل المدينة لها ، ونبه الجيران من رقادهم ، وأقام الناس من فرشهم ، ثم سكت فلم يدر الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم ، فقال له ابن سريج : ويلك ما هذا؟ قال : لئن لم تصر معي إليها لأصرخن صرخة أخرى لا يبقى إلا صار بالباب ، ثم لأفتحنه ولأريهم ما بي ، ولأعلمنهم كذا وكذا ...
فلما رأى ابن سريج الجد منه قال لصاحبه : ويحك أما ترى ما وقعنا فيه ـ وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا ـ فقال : لا أدري ما أقول ... نزل بنا من هذا الخبيث ... إلى أن قال : فوقع ابن سريج فيما لا حيلة له فيه.
فقال : امضي لا بارك الله فيك ، فمضى معه فلما صار إلى باب سكينة قرع الباب فقيل : من هذا؟ فقال : أشعب ... إلى أن قال : ثم أندفع يغني :
أستعين الذي يكفيه نفعي |
|
ورجائي على التي قتلتني |
فقالت له سكينة : فهل عندك يا عبيد من صبر ، ثم أخرجت دملجا من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا فرمت به إليه (١) ... إلى آخر القصة ، وهي طويلة الذيل اقتصرنا على مورد الحاجة.
__________________
(١) الأغاني ٤٥ : ١٧ ـ ٥١.