نفوسهم الطاهرة من أحزان وآلام ، وهي لا تزال تعايش مصائب الطف ، وقتل إخوتها وأبيها بشكل مروع ، وتسييرهم أسارى من بلد إلى بلد ، وشعور الحزن والألم يتفاقم وهم لا يزالون مهضومي الحق ، مدفوعين عن مقامهم ، لذا فإنها عليهماالسلام قريبة عهد بفجائع الطف ، والمناسب أن تتحرى ما يخفف من أحزانها ، ويعزز من موقف أهلها الميامين ببيان ما جرى عليهم ، والرواية التالية تؤكد هذا المنحى والاتجاه :
قال أبو الفرج الاصفهاني : إن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة. فلم يزل يعلمه مدة طويلة ، ثم توفي عمها أبوالقاسم محمد بن الحنفية ، وكان ابن سريج عليلا بعلة صعبة ، فلم يقدر على النياحة ، فقال لها عبدها عبدالملك : أنا أنوح لك نوحا أنسيك نوح ابن سريج ، فقالت : أو تحسن ذاك؟ قال : نعم ، فأمرته فكان في الغاية (١).
هذه الرواية إذا ما قارناها بخبر غناء ابن سريج للسيدة «آمنة» سكينة ، وجدنا أن مصعب الزبيري قد افتعل الخبر ونسجه على منوال نياحة ابن سريج ، فاستبدل الزبيري مفردات هذه الرواية بوضع خبر الغناء هكذا :
١ ـ استبدال النياحة بالغناء.
٢ ـ استبدال عبارة «أن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة» بعبارة خبر أشعب كالآتي :
قالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه.
٣ ـ استبدال اسم عبدالملك وهو مملوكها باسم «أشعب» الخليع
__________________
(١) الأغاني ٢٤٩ : ١ و ٢٥٠.