وحاصل الدفع : منع إطلاق هذا الكلام ، فإنّ ذلك إنّما يعيب إذا أخذ المجاز بحيث لم يتّضح معه المعنى المجازي المراد ، لمنافاته ما هو الغرض الأصلي في مقام التحديد من إيضاح حال المحدود واستعلام حقيقته.
ولا ريب أنّ ذلك يزول إذا أخذ المجاز مع القرينة الموضحة للمراد ، و « العلم » ممّا ادّعى شيوع إطلاقه على الملكة ـ كما في العبارة ـ حتّى أنّ المستفاد من بعضهم بلوغه لكثرة الاستعمالات حدّ الحقيقة بالوضع الثانوي التعيّني ، وعلى فرض عدم بلوغه هذا الحدّ فهو من المجاز المشهور لا محالة ، فيكفي ما معه من قرينة الشهرة وشيوع الاستعمال في إيضاح المعنى المراد منه ، فتأمّل.
ولو سلّم منعه نقول : إنّ العلم بكون لفظ المحدود اسما للملكة ينهض قرينة على المعنى المجازي المراد من لفظ الجنس ، لكن يبقى الكلام في استعلام العلاقة المعتبرة في هذا التجوّز.
والّذي يستفاد من كلامهم ـ وهو المصرّح به في كلام بعضهم ـ كون التجوّز هنا لعلاقة السببيّة ، وظاهر ذلك فرض السببيّة في جانب الملكة ، على معنى كونها سببا للإدراكات الفعليّة الحاصلة منها ، وهذا حسن إذا ثبت كون السببيّة ـ المعدودة عندهم من العلائق ـ عبارة عمّا يعمّ السبب الاصولي وغيره من الشروط والمعدّات ، بأن يراد منها مجرّد المدخليّة والتأثير في الوجود ، سواء كانت المدخليّة من باب مدخليّة السبب أو الشرط أو غيره من العلل الناقصة ، ضرورة أنّ الملكة بالقياس إلى الإدراكات الفعليّة ليست سببا ، بل السبب الّذي هو مقتض لها إنّما هو الأدلّة التفصيليّة والملكة شرط. والظاهر أنّ ذلك هو المستفاد من أرباب الفنّ ، كما يرشد إليه تمثيلهم « برعينا الغيث » و « أمطرت السماء نباتا » ونحوه.
وربّما سبق إلى بعض الأوهام تجويز انعكاس الفرض ، بدعوى قيام السببيّة بالإدراكات لا الملكة ، على معنى كون الملكة مسبّبة عن الإدراكات وإن كانت هي بنفسها سببا لإدراكات ، فلا بدّ من فرض إدراكات سابقة تكون الملكة مسبّبة عنها ، وإدراكات لاحقة تكون الملكة سببا لها ، غير أنّه عند التحقيق بيّن الفساد لاستلزامه