الكلفة بمعنى « المشقّة » الحاصلة فيهما باعتبار المعنى ، لما فيهما من المنع الّذي هو في معنى تضييق الأمر على المكلّف ، على معنى حمله على الضيق المعنوي الّذي في تحمّله مشقّة على النفس ، وهذا المعنى كما ترى ليس بموجود في الثلاث الباقية لخلوّها عن جهة المنع ، غير انّه بعد ما سمّي الأوّلان بهذا الاسم مراعاة للمناسبة المذكورة غلّبا على الثلاث الباقية ، لمشاركتها لهما في الإناطة بالشروط الأربع.
والثاني : عبارة عن كلّ صفة في الشيء لم يكن ثبوتها فيه منوطا بتلك الشروط ، وله أيضا أنواع يسمّى كلّ نوع باسم خاصّ ، وإنّما سمّي المجموع حكما وضعيّا لكون الصفة المفروضة ممّا وضعه الشارع في الشيء وعيّنه له ، وخصّصه عمّا بين الأشياء به ، لمراعاة ما فيه من الحكمة الكامنة.
فالقوم بعد اتّفاقهم على كون الأحكام التكليفيّة بأسرها مجعولات للشارع لما طرأها منه من الجعل بواسطة الطلب أو التسوية اختلفوا في مجعوليّة الأحكام الوضعيّة وعدمها.
والقول بالعدم هو المشهور المحكيّ عليه الشهرة في كلام الفاضل الجواد المحكوم عليه بكونه ما استقرّ عليه مذهب المحقّقين في كلام السيّد شارح الوافية ، المصرّح به في كلام جماعة من الفحول ، وعليه بعض مشايخنا دام ظلّه العالي (١).
وربّما يستظهر من كلّ من أسقط قيد « الوضع » عن تعريف الحكم الشرعي ، كما صنعه كثير ـ منهم شيخنا البهائي (٢) ـ ويظهر من المصنّف أيضا ، وهو الموافق للأصل حيث إنّ الجعل بالمعنى المتنازع فيه هنا المتّفق عليه في الحكم التكليفي
__________________
(١) فرائد الاصول للشيخ الأنصاري : ٢٢٩ ، حيث قال : ـ في باب الاستصحاب ـ : المشهور كما في شرح الزبدة ، بل الّذي استقرّ عليه رأي المحقّقين كما في شرح الوافية للسيّد صدر الدين ، إنّ الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي ...
(٢) زبدة الاصول : ٢٩ ، حيث قال : الحكم الشرعي طلب الشارع من المكلّف الفعل أو تركه مع استحقاق الذمّ بمخالفته وبدونه ، أو تسويته بينهما لوصف مقتض لذلك.