غرضهم الأصلي في جميع أبواب فنّهم مقصور على المعاني ، ولذا لم يعهد منهم نظير الإطلاق المذكور ، وهو الباعث على اتّفاق تقسيماتهم في أخذ المفهوم أو المعنى مقسما.
لكن ينبغي أن يعلم أنّ الألفاظ في لحوق وصفي الكلّية والجزئيّة بها ليست ملحوظة أصلا وبالذات ، بل هي إنّما تتّصف بوصف المعنى تبعا له ، فإن كان الوصف الثابت فيه هو الكلّية تتّصف بها اللفظ باعتباره وإن اتّصف بالجزئيّة باعتبار اخر ، وإن كان الوصف الثابت فيه هو الجزئيّة اتّصف بها اللفظ بهذا الاعتبار ، وإن اتّصف بالكلّية باعتبار اخر.
وقد يتخيّل لحوقهما اللفظ بنفسه من دون ملاحظة المعنى ، بل ومع كونه مهملا ، فإنّ لفظة « زيد » و « ديز » مع قطع النظر عن صدورهما من احاد اللافظين والمستعملين كلّي ، يندرج تحته خصوص ما صدر عن هذا اللافظ وما صدر عن لافظ اخر وما صدر عن ثالث وهكذا ، فإنّ كلاّ من ذلك بقيد الخصوصيّة المذكورة جزئي لامتناع صدقه بهذا الاعتبار على كثيرين ، بخلاف ما لو اخذ مع التعرية عنها فإنّه حينئذ كلّي ، لصدقه على كثيرين على ما هو ضابط الكلّية ، فتوهّم اشتراط اتّصاف الألفاظ بهما بوجود مفاهيم في إزائها غلط.
وأصل هذا المطلب ـ حسبما زعمه هذا المتخيّل ـ حقّ لاسترة عليه ولا شبهة تعتريه ، فإنّ اللفظ مفهوما وإن كان عبارة عمّا يتلفّظ به الإنسان ، المعبّر عنه بالصوت المعتمد على مقطع الفم ، غير أنّ مصاديقه الخارجيّة عبارة عن الأصوات المختلفة على حسب اختلاف الكيفيّات الطارئة لها باعتبار الضمّ والتركيب وتلاحق الحركات والسكنات ، وهذا هو الوجه في اشتمال اللفظ عندهم على مادّة وهو أصل الصوت وجوهره ، وهيئة وهي الكيفيّة الطارئة له عمّا ذكر ، وظاهر أنّ الألفاظ بمعنى الأصوات المخصوصة قد طرأها الوضع مرّتين ، إحداهما : باعتبار وضعها لمعانيها ، واخراهما : باعتبار وضع الخطوط المعهودة الّتي هي عبارة عن الصور الكتبيّة المخصوصة لها ، فإنّها على ما يساعد عليه النظر امور تعتبر حواكي