الوضع ، ويندفع هنا باندفاعه عنه وللتعرّض له محلّ اخر يأتي ، وتعرف أنّه غير وارد. ثمّ إنّ في المقام فوائد تتعلّق بالحقيقة والمجاز.
الاولى : أنّ الحقيقة والمجاز قد يلحقان اللفظ الموضوع بواسطة التصرّف في نفسه ويسمّى المجاز حينئذ « أصليّا » ويجري ذلك في أسماء الأجناس ، كما في الأسد للرجل ، وفي الأسماء المشتقّة كما في اسم الفاعل المراد منه معنى المفعول ، واسم المفعول المراد منه معنى الفاعل « كدافق » و « مستور » وفي الأفعال أيضا إذا اريد منها خلاف ما وضع له صيغها كفعلي الماضي والمضارع إذا اريد من الأوّل نسبة الحدث إلى فاعل مّا مجرّدة عن الزمان أو مقترنة بزمان غير ماض ، ومن الثاني نسبة مجرّدة أو مقترنة بغير زمان الحال على ما هو أصحّ الأقوال فيه ، وفي الحروف أيضا كلفظة « في » بمعنى السببيّة و « مع » ولفظة « إلى » بمعنى « مع » وهكذا.
وقد يلحقانه بواسطة التصرّف فيما هو من متعلّقاته ويسمّى المجاز حينئذ « تبعيّا » ويوجد ذلك في المشتقّات اسميّة وفعليّة وفي الحروف أيضا ، أمّا في الاولى فبتطرّق الوصف إلى صيغتيهما باعتبار تطرّقه إلى ما اشتقّا منه « كقاتل » و « قتل » في الاستعارة للضرب الشديد مثلا ، وأمّا في الثانية فبأن يدخل الحرف بمعناه الموضوع له فيما ليس بمدخوله الواقعي لعلاقة بينه وبين المدخول الواقعي ، كما في [ قوله تعالى : ] ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً )(١) فإنّ « اللام » للتعليل ، والعداوة والحزن ليسا بما هو علّة غائيّة في الواقع حسبما لاحظه ال فرعون ، بل العلّة الغائيّة في نظرهم هي المحبّة والتبنّي ، لكن شبّها بالعلّة الغائيّة لما فيهما من مشاركتهما لها في الترتّب الخارجي ، فأدخل عليهما ما هو من خواصّ المشبّه به.
ولا يخفى عليك أنّ هذا ليس مجازا بالمعنى المصطلح عليه لا في الحرف ولا في مدخوله. نعم هو مجاز بالمعنى اللغوي ، لأنّه جاوز محلّه الأصلي ، وهو ما كان ينبغي مدخولا له إلى غيره ، وهو الواقع مدخوله فعلا.
__________________
(١) القصص : ٨.