إلى تمليح أو تهكّم كما في الأسد والأبيض للجبان والأسود ، أو تعظيم كما في الشمس للشريف ، أو تحقير كما في الكلب للخسيس ، والحمار للبليد أو نحو ذلك.
ولا ريب أنّها بهذا المعنى ممّا يدرك بالوجدان السليم والطبع المستقيم ، بل هي لكمال اتّضاحها لكلّ ذي مسكة وفطرة إنسانيّة حتّى الصبيّ والصبيّة كادت تلحق بالفطريّات ، وهي بهذا المعنى ممّا انتزع عنها الأنواع المتقدّمة المعبّر عنها بأسامي خاصّة ، فلا حاجة في معرفتها إلى تنصيص من الواضع ولا أهل اللسان ولا غيرهم ، ولا إلى استقراء استعمالاتهم أو ملاحظة مجازاتهم ، وإن كان كثيرا مّا يعسر العلم بحقيقة عنوانها ، بل قد يعجز البيان عن أدائها بعبارة خاصّة ، وعليها يبتنى المجازات الحادثة شرعيّة وغيرها ، ممّا كان يتعاطيها الفصحاء والبلغاء من كلّ لسان ولغة من سلفهم إلى خلفهم ، في نظمهم ونثرهم ، مع قضاء ضرورة الوجدان بأنّه لم يسبقهم إليها غيرهم ، ولا أنّهم أخذوها عن سلفهم ، أو استعلموا مراعاة علاقاتها الملحوظة عمّن سبقهم ، أو استقراء المجازات الصادرة من أهل لسانهم ممّن هو مثلهم أو دونهم أو فوقهم ، أو توقّفوا في التعويل على ما أدركوه بوجدانهم من اتّصال المعنيين إلى أن يتبيّن اندراجه بشخصه أو نوعه في العلاقات المتداولة فعلا بأشخاصها أو أنواعها ، ولم ينكر ذلك عليهم ، ولا أنّ أحدا من أهل المعرفة غلّطهم ، بل لا يزال كلامهم يحكم عليه لأجل ذلك بالفصاحة وأعلى مرتبة البلاغة ، مع أنّ مرتبة الفصاحة والبلاغة متأخّرة عن مرتبة الصحّة ، فالحكم بهما مع انتفائها غير معقول.
وقد أشار إلى بعض ما ذكرناه العضدي ، بل صرّح به التفتازاني بقوله : ومن تتبّع أحوالهم وتفاصيل نظمهم ونثرهم علم أنّهم لا يتوقّفون ، بل يعدّون اختراع احاد المجازات من كمال البلاغة ... الخ.
وبالجملة ، المعلوم من المحاورات عدم مراعاة المتجوّزين من جميع اللغات في تجوّزاتهم ورود أصل الاستعمال ، ولا سبق اعتبار العلاقة الموجودة في البين ، ومع ذلك يتلقّى المجازات الصادرة منهم صحيحة بالغة حدّ البلاغة ، خالية عن