وبين عدمها والمجازيّة ، إذا كان المقسم بحسب الواقع هو اللفظ باعتبار مسمّاه الوضعي الحقيقي ، فإنّه معلوم بالوجدان ومحسوس بما يقرب من العيان إنّ كون لفظ موضوعا لأمر مشترك بين شيئين يلزمه عند العالم به صحّة تقسيمه باعتباره إليهما ، بخلاف ما لو لم يوضع لذلك الأمر المشترك ، فإنّه لا يصحّ تقسيمه إليهما باعتبار مسمّاه الوضعي ، فيرجع الخلاف حينئذ إلى مقام إحراز الملزوم ، ووجهه الشبهة في ظهور القضيّة التقسيميّة عند إطلاقها في تقسيم المعنى وعدمه ، فالمنكر للعلاميّة مانع عن الظهور تعليلا بما تقدّم ، والقائل بها مدّع للظهور وهو الأقوى بشرط تجرّد اللفظ في القضيّة عن القرينة الملتفت إليها لجهة الصرف ، لظهوره مع هذا الفرض في إرادة المسمّى الوضعي ، فالجاهل المستعلم للحقيقيّة والمجازيّة الناظر في تلك العلامة لا بدّ من أن يحرزها على هذا الوجه بمراجعة أهل اللغة العالمين بالأوضاع ، وطريقه إثبات كون اللفظ المأخوذ مقسما مجرّدا ، ولو بحكم الأصل الجاري في نظائر المقام ، ولو كان هناك توهّم دور يندفع بذلك ولا يقدح كون النتيجة الحاصلة من تلك العلامة في بعض فروضها ظنّية ، لأنّ ذلك ظنّ نشأ عن صغرى العلامة مستند إلى ظهور لفظي قائم مقام العلم ، لا عن كبراها لمكان العلم بالملازمة على تقدير ثبوت الصغرى ، ولو بحكم ما ذكر من ظهور اللفظ.
تاسعها : الاستقراء ، الّذي عدّه غير واحد من الطرق المختصّة بالحقيقة ، وهو العمدة في تحصيل اللغة واستعلام المطالب الأدبيّة والقواعد العربيّة ، من الصرفيّة والنحويّة وما يرجع إلى فنون البلاغة وغيرها ، ككثير من المسائل الاصوليّة ، والمراد به هاهنا تصفّح الموارد الجزئيّة ـ كلّها أو غالبها ـ لإثبات ما يستعلم من الأحوال العارضة لها لأمر جامع لها ولغيرها ، وهو بهذا المعنى يأتي في الأحكام الشرعيّة وفي اللغات وفي غيرها من الموضوعات الخارجيّة ، وهذا مع الأوّل خارجان عن معقد البحث ، والثاني ما يؤخذ به نفسه طريقا إلى استعلام الوضع ، فخرج به ما يقصد منه إحراز علامة اخرى من علامات الحقيقة والمجاز ، على معنى الأخذ به لكونه طريقا إلى الطريق كاستقراء موارد الاستعمالات الشخصيّة