به من ألفاظ لغتهم ، كالعربيّ القحّ الّذي لا يعرف شيئا من ألفاظ اللغة العجميّة ، والعجمي القحّ الّذي لا يعرف شيئا من ألفاظ اللغة العربيّة إذا أراد أحدهما أن يتعلّم لغة صاحبه ، فإنّ المعلّم في مثل هذا الفرض لا يتمكّن من التأدية بألفاظ لغة المتعلّم ، الّذي هو أيضا لا يتمكّن من الاستفادة من ألفاظ لغة المعلّم ، فعادة الناس في مثل ذلك جارية بإقامة الترديد بالقرائن مقام التنصيص بالنحو المتعارف ، المتضمّن لأداء المطلب بألفاظ من لغة المعلّم أو المتعلّم ، تدلّ على الوضع بأحد الوجوه المتقدّمة ، وعلى المعنى المطلوب وضع اللفظ بأزائه.
وكيفيّته حينئذ على ما يشاهد بالوجدان ، إنّه يقام من القرائن ما يستقلّ في الدلالة على المعنى مقام الألفاظ الدالّة عليه ، الّتي يتضمّنها التنصيص بالنحو المتعارف لإحضار ذلك المعنى في ذهن الجاهل ، طلبا لحصول تصوّره الّذي كان يستلزمه العلم بالوضع ، ثمّ يذكر اللفظ المطلوب إعلام وضعه لذلك المعنى مقارنا للقرينة المذكورة ، ويكرّر ذلك اللفظ أو استعماله ليوجب أصل ذكره إحضاره في ذهن الجاهل ، طلبا لحصول تصوّره المعتبر في العلم بالوضع ، واقترانه بالقرينة تصوّر النسبة بينهما مع الإذعان لها ، وتكرّره رفع الغفلة عن الجاهل أو رفع احتمال كون ذكره من باب سبق اللسان ، أو من باب الهزليّة أو من باب المقارنات الاتفاقيّة ، أو غير ذلك ممّا يمنع احتماله عن حصول الجزم بالنسبة.
ولا ريب أنّ الترديد بالقرائن حيثما انعقد واستكمل الامور المذكورة كان طريقا قطعيّا إلى الوضع كالتنصيص ، كما نصّ عليه الجماعة في مسألة الحقيقة الشرعيّة ، ولا يتفاوت الحال فيه بين كون الناصب لهذا الطريق إعلاما للوضع من قحّ أهل اللسان الّذين يستشهد بكلامهم ، أو من خارج لسانهم المطّلع على أوضاعهم ، والعارف بحقائقهم عن مجازاتهم من جهة شدّة مخالطته لهم ، وكثرة مزاولته في محاوراتهم ، فما سبق إلى بعض الأوهام من الفرق بينهما بكون الترديد من الأوّل مفيدا للقطع ، ومن الثاني مفيدا للظنّ ليس على ما ينبغي ، ولا يشترط في ذلك تعدّد الناصب له المستعمل للفظ ، كما قد يتوهّم أيضا.