وإذا كان مراد الأكثرين من تنصيص أهل اللغة الّذي تعرّضوا لذكره في باب الطرق ما يعمّ ذلك ، اندفع عنهم السؤال المتقدّم ، كما اندفع بما ذكرنا إشكال القدح في كبرى هذا الطريق ، من حيث إنّ القرائن الّتي تلتزم بها في هذا المقام ، إنّما تعتبر إقامة لها مقام الألفاظ الّتي يعبّر بها عن المعنى الموضوع له عند إعلام الوضع بطريق التنصيص بالنحو المتعارف ، وليس حالها كحال قرائن المجاز لاستقلالها في الدلالة على المعنى ، وعدم كون اللفظ المقترن بها مقصودا به إفادة المعنى بخلاف قرائن المجاز ، فإنّ الدلالة على المعنى ثمّة مقصودة من اللفظ باستمدادها مع عدم استقلالها في الدلالة لولاه ، فعلم بما قرّرناه امور :
أحدها : إنّ الدلالة على الوضع هنا قائمة باقتران اللفظ بالقرينة المستقلّة في الدلالة على المعنى ، وإنّها من باب الدلالة الالتزاميّة الإيمائيّة والتنبيهيّة ، لوضوح أنّ الانتقال إلى الوضع مع ملاحظة استقلال القرينة في الدلالة على المعنى إنّما يحصل من جهة أنّه لولا كونه مقصودا لبعد اقترانه بها عرفا.
وثانيها : إنّ اللفظ المذكور هنا لا يقصد به الدلالة على المعنى ، ولا إعلام الوضع به ، بل يقصد به إحضاره في ذهن الجاهل طلبا لتصوّره.
وثالثها : إنّ القرينة المعتبرة هنا لا يقصد بها إعلام الوضع ، بل إفادة المعنى على الاستقلال ، وبذلك كلّه يتبيّن وجه خروج التعريفات الثلاث المتقدّمة عن السداد ، وعدم خلوّ شيء منها عن شيء حسبما أشرنا إليه.
ورابعها : وجه الفرق بين التنصيص بالنحو المتعارف وبين هذا الطريق الّذي هو بدل عنه ، فإنّه طريق لا ينفع في حقّ الأجنبيّ الّذي لا يعرف شيئا من اللسان ، مع عدم اعتبار التكرير فيه.
ورابعها : نقل نقلة متون اللغة المعبّر عنه بقول اللغويّين ، كالخليل والأصمعي وابن أثير وأبي عبيدة وغيرهم ، فإنّه الطريق الغالب المعوّل عليه فيما بين العلماء الأزكياء والفضلاء الادباء ، يرجع إليه في معرفة الأوضاع والتمييز بين الحقائق والمجازات غير أنّه يمتاز عمّا عداه من الطرق المتداولة في انطباق كبراه على