احتمال كونه قولا لقائل ، ونقول : إنّه يكفي في إبطال هذا القول ما تقدّم من أدّلة أصالة الحقيقة بالمعنى الأخصّ فراجع وتأمّل ، ولا حاجة إلى الإعادة.
وأمّا أصالة المجاز بالمعنى الأخصّ : فاستدلّ لها بوجوه عمدتها أمران :
أحدهما : أصالة عدم تعدّد الوضع ، والظاهر إنّ هذا الأصل وأصالة عدم النقل وأصالة عدم القرينة وأصالة عدم الإضمار وأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم التقييد ونحو ذلك كلّها من باب واحد مفهوما واعتبارا ، فلا يراد بالأصل في شي منها الاستصحاب كما قد يتوهّم ، للقطع بانتفاء ما هو العمدة من أركان الاستصحاب وهو ملاحظة الحالة السابقة والتعويل عليها في مجاري هذه الاصول ، بل المراد به القاعدة المقتضية للحكم بالعدم وترتيب أحكامه ، الملازم لعدم الاعتناء باحتمال الوجود والالتفات إليه.
ومدرك هذه القاعدة بناء العرف وطريقة أهل اللسان في جميع الألسنة وكافّة اللغات ، وعلى هذه الاصول مبنى المحاورات ومدار المخاطبات ، ولولا البناء عليها لاختلّ أمر المحاورة بالمرّة ، بل انسدّ باب استفادة المطالب من المراسلات والمكاتبات الواصلة من البلاد النائية ، والمؤلّفات القديمة من الرسائل والقصائد والأشعار وكتب السير والتواريخ وغيرها الباقية من القرون الخالية.
ألا ترى إنّ الألفاظ المأخوذة فيها تحمل على حقائقها الموجودة في العرف الحاضر من دون اعتناء باحتمال النقل ، أو على ما علم من حقائقها الثابتة لها في بلد الكتابة والتأليف أو في زمانهما ، ولو مع العلم بوقوع استعمالهما في غير تلك المعاني واحتمال الاشتراك وتعدّد الوضع بالقياس إليه ، من دون التفات إلى ذلك الاحتمال ، بل ولو توقّف أحد وتقاعد عن الحمل اعتذارا بذلك الاحتمال كان مستنكرا وموجبا لرميه بسوء الطريقة وسخافة الرأي ، وليس ذلك إلاّ لوضوح سقوط نحو هذا الاحتمال عن درجة الاعتداد والاعتبار.
لا يقال : لعلّ عدم الاعتناء بذلك الاحتمال لعدم طروّه ، أو لعدم التفطّن بالاحتمال الطاري ، لأنّ طروّ أصل الاحتمال ضروري.