باب فرض المحال ، وجب القطع بتنزيل الخطاب على مصطلح المتكلّم ، ولا يلتفت فيه إلى فهم المخاطب.
ولا ينافيه ما ذكروه من أنّ الواجب على غير الحاضرين المشافهين في إحراز تكاليفهم وموضوعاتها الرجوع إلى فهمهم وتحصيل ما فهموه من الخطابات ، لأنّ اعتبار فهم المخاطب لغيره ليس من باب الموضوعيّة بل إنّما اعتبر على وجه الطريقيّة ، باعتبار أنّه الطريق إلى العلم بمرادات الشارع من خطاباته ، إمّا لأنّه لا طريق إليه في الغالب إلاّ هذا ، أو لما علم من سيرة الشارع وامنائه عليهمالسلام أنّهم كانوا يتكلّمون الناس بما يعقلونه ويفهمونه ، كما يشير إليه ما روي من : « أنّ الله سبحانه أجلّ من أن يخاطب قوما بخاطب ويريد منهم خلاف ما هو بلسانهم وما يفهمونه » ففهم المخاطب إنّما يؤخذ به على أنّه مراد الشارع من خطابه لا على أنّه فهمه من حيث هو فهمه ، فإذا حصل لنا في بعض الموارد طريق آخر إلى إحراز المراد سقط اعتبار فهم المخاطب ولا حاجة إلى مراعاته.
وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو جهل المتكلّم بعرف المخاطب مع علمه بعرف المتكلّم ، فإنّ المتعيّن أيضا عرف المتكلّم لعين ما بيّنّاه ، من غير فرق فيه بين ما لو علم المخاطب بحالة المتكلّم أو جهل بها. إمّا لعدم التفاته أو شكّه أو اعتقاده بالخلاف.
وفي صورة علم المتكلّم بعرف المخاطب مع جهل المخاطب بعرف المتكلّم ، فإن كان مع علمه بعرف المخاطب عالما بحاله وجهله بعرفه ، وجب تقديم عرف المخاطب ، والحكم بأنّ المتكلّم إنّما اتّبع في نحو هذه الصورة عرف المخاطب وأراد من اللفظ مصطلحه لئلاّ يلزم الإغراء بالجهل القبيح على الحكيم.
لا يقال : إنّ الحكم بلزوم الإغراء بالجهل لولا اتّباع عرف المخاطب هنا إنّما يصحّ لو ثبت أنّ المخاطبة إنّما وقعت في مقام البيان ، وإنّ تكليف المخاطب واقعا وظاهرا إنّما هو مقتضى عرفه ، ويتطرّق المنع إلى كلتا المقدّمتين ، لجواز وقوع المخاطبة في مقام التعمية والإجمال ، أو كون تكليف المخاطب ظاهرا هو مقتضى عرف المتكلّم ، وإنّما أخفى عليه تكليفه الواقعي ـ وهو مقتضى عرفه ـ لمصلحة