المجازات الحادثة عربيّة ، وإن لم يصرّح العرب بآحادها ، لدلالة الاستقراء على تجويزهم نوعها. ومع التنزّل ، نمنع كون القرآن كلّه عربيّا ، والضمير في « إنّا أنزلناه » للسّورة ، لا للقرآن ، وقد يطلق « القرآن » على السورة وعلى الآية.
فان قيل : يصدق على كلّ سورة وآية أنّها بعض القرآن ، وبعض الشيء لا يصدق عليه أنّه نفس ذلك الشيء.
قلنا : هذا إنّما يكون فيما لم يشارك البعض الكلّ في مفهوم الاسم ، كالعشرة ، فانّها اسم لمجموع الآحاد المخصوصة ، فلا يصدق على البعض ، بخلاف نحو الماء ، فانّه اسم للجسم البسيط البارد الرطب بالطبع ، فيصدق على الكلّ وعلى أيّ بعض فرض منه ، فيقال : هذا البحر ماء ، ويراد بالماء مفهومه الكلّيّ ، ويقال : إنّه بعض الماء ، ويراد به مجموع المياه الذي هو أحد جزئيّات ذلك المفهوم. والقرآن من هذا القبيل ، فيصدق على السورة أنّها قرآن وبعض من القرآن ، بالاعتبارين ، على أنّا نقول : إنّ القرآن قد وضع ـ بحسب الاشتراك ـ للمجموع الشخصيّ وضعا آخر ، فيصحّ بهذا الاعتبار أنّ يقال السورة بعض القرآن.
إذا عرفت هذا ، فقد ظهر لك ضعف الحجّتين.
والتحقيق أنّ يقال : لا ريب في وضع هذه الألفاظ للمعاني اللّغويّة ، وكونها حينئذ حقائق فيها لغة ، ولم يعلم من حال الشارع إلاّ أنّه استعملها في المعاني المذكورة. أما كون ذلك الاستعمال بطريق النقل ، أو انّه غلب في زمانه واشتهر حتّى أفاد بغير قرينة ، فليس بمعلوم ؛ لجواز الاستناد في فهم المراد منها إلى القرائن الحاليّة أو المقاليّة ؛ فلا يبقى لنا وثوق بالإفادة مطلقا. وبدون ذلك لا يثبت المطلوب. فالترجيح لمذهب النافين ، وإن كان المنقول من دليلهم مشاركا في الضعف لدليل المثبتين.