الأمر الثالث : في أنّ الألفاظ الواردة في خطاب الشرع على أنواع :
منها : ما علم كون المعنى المفهوم منه حال الخطاب بعينه المعنى المفهوم منه في العرف ، من دون اختلاف بينهما بنقل ولا ارتجال ، على معنى اتّحاد العرفين وهو الأكثر ، كالأرض والسماء والماء والكلاء والكلب والخنزير ، وهذا ممّا لا خفاء في حكمه من حيث تعيّن حمل الخطاب على ما اتّحد فيه العرفان.
ومنها : ما علم فيه بتغاير العرفين ، على معنى كون المفهوم منه في هذا العرف مغايرا لمتفاهم عرف زمن الخطاب ، كالأرطال والأوقية والدراهم ، وهذا أيضا ممّا لا خفاء في حكمه ، من حيث تعيّن حمل الخطاب فيه على متفاهم زمن الخطاب.
ومنها : ما علم له في متفاهم هذا العرف معنى ، واشتبه معناه في متفاهم زمن الخطاب باحتمال طرو النقل ، كالأمر والنهي وألفاظ العموم وغيرها ممّا يثبت الوضع فيه بالأمارات العرفيّة.
وهذا أيضا واضح الحكم ، من حيث تعيّن حمل الخطاب فيه على المعنى العرفي ، لكن بعد توسيط أصالة عدم النقل.
ومنها : ما علم له معنى لغوي ومعنى عرفي ، واشتبه المراد منه حين الخطاب ، وهذا هو مسألة تعارض العرف واللغة ، وقد أشبعنا الكلام فيه.
ومنها : ما علم فيه النقل وطروّ الوضع الجديد ، ولكن حصل الشكّ في مبدأ حصولهما ، بحيث يتردّد بين تقدّمه على صدور الخطاب وتأخّره عنه ، وموضوع المسألة من هذا القبيل ، لكن بالقياس إلى المعاني الشرعيّة.
وتحريره : إنّه لا شبهة كما لا خلاف ظاهرا في أنّ كثيرا من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة مستعملة في عرف المتشرّعة ـ ونعني بهم كلّ من تديّن بدين الإسلام ، فقيها كان أو عاميّا ، مؤمنا كان أو مخالفا ـ في غير معانيها الأصليّة اللغويّة على وجه الحقيقة ، الناشئة عن النقل كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ وغيرها ، فإنّها بحسب اللغة كانت للدعاء والنموّ والإمساك والقصد ، وقد صارت عند المتشرّعة للأركان المخصوصة المقرونة بالنيّة ، والقدر المخرج من المال المقرون