وإن شئت قلت : إنّه جمع في الجملة وطرح في الجملة ، وإنّه تبعيض في العمل بالقول وترك للعمل به ، وهذا المعنى من الجمع هو الّذي يعبّر عنه بالأخذ بإثبات كلّ وإلغاء نفيه.
وهل يتعيّن الجمع بهذا المعنى أيضا ، أو لا بدّ في نحو المفروض من إعمال الترجيح بمراجعة المرجّحات إن وجدت وإلاّ فالوقف ، أو يؤخذ بما اتّفق عليه القولان ويطرح ما اختلفا فيه إن كان هناك محلّ وفاق وإلاّ فالوقف ، أو يتوقّف مطلقا ، وجوه يظهر من غير واحد اختيار أوّلها استنادا إلى قاعدة تقديم الإثبات على النفي.
وهذه القاعدة لو ثبت لها أصل يعوّل عليه ومدرك يعتمد عليه ، كان المصير إلى موجبها متّجها ، فيمكن الاستناد لها إلى وجوه :
أحدها : أنّ مرجع الإثبات والنفي إلى دعوى الاطّلاع ودعوى عدم الاطّلاع ، فلا يلزم من تقديم الإثبات تكذيب القول بالنفي.
ويزيّفه : أنّه خلاف المفروض في هذه الصورة.
وثانيها : أنّ الغالب على مدّعي النفي إنّما هو الاستناد إلى الأصل بخلاف مدّعي الإثبات ، فإنّه لا يستند إلاّ إلى الدليل ، فمرجع تعارضهما إلى تعارض الأصل والدليل ، وكما أنّ الدليل يقدّم على الأصل في محلّ المعارضة ، فلذا ترى تعيّن العمل بالتبادر الكاشف عن الوضع مع قضاء الأصل بخلافه ، فكذلك الإثبات يقدّم على النفي.
وفيه : أنّ النفي إنّما يستند إلى الأصل في موضع عدم الوجدان ، وأمّا في موضع وجدان العدم ـ كما هو المفروض ـ فالتعارض واقع حينئذ بين الدليلين ، ولا معنى لإطلاق تقديم أحدهما على الآخر.
وثالثها : أنّ القول بالنفي في نحو محلّ البحث إنّما يطرح لعدم تناول دليل الحجّية له ، ويتأكّد ذلك بملاحظة أنّ ما قام على حجّية قول أهل اللغة من الوجوه المتقدّمة أدلّة لبّيّة ، يؤخذ فيها في محلّ الإجمال بالقدر المتيقّن الّذي ليس في المقام إلاّ القول بالإثبات.