إلى أن قال : ( وبعد فإنّ في الجرح والتعديل وشرائطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا يكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس ، كما لا يخفى على الخبير بها ، فالأولى الوقوف على طريقة القدماء ، وعدم الاعتناء بهذا الاصطلاح المستحدث رأساً وقطعاً ، والخروج عن هذه المضايق.
نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء ، فاحتجنا إلى الترجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعديل المنقولين عن المشايخ فيهم ، ونبني الحكم على ذلك ، كما أشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح ، بقولهم عليهمالسلام : ( فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما وأصدق في الحديث ) ، وهو أحد وجوه التراجيح المنصوص عليها ... ).
هذا ما قاله الفيض قدسسره ، نقلته باقتضاب لأكشف زعم الكذّاب حين أخذ فقرة من كلامه اقتطعها عمّا سبقها ، ولحق بها ما أخلّ بالمعنى الذي أراده الفيض فلاحظ ، فهل في هذا دلالة على عدم الوثوق بالأحاديث كما زعم الزاعم.
ثمّ إنّ قوله : ( واسمعوا معي الآن المصيبة الكبرى يقول الحرّ العامليّ معرّفاً الحديث الصحيح ، بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق ، لأنّ الصحيح ـ عندهم ـ ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات ، ولم ينصّوا على عدالة أحد من الرواة ... ) ، ألا مسائل هذا الزاعم الكاذب كيف يتسق التعريف للحديث الصحيح مع الابتداء بحرف بل الدال على الإضراب.
قال في القاموس : ( وبل حرف إضراب ، إن تلاها جملة كان معنى الإضراب ، إمّا الإبطال كـ ( سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) (١) ، وأمّا الانتقال من غرض إلى غرض آخر ( فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (٢) ، وإن تلاها مفرد
____________
١ ـ الأنبياء : ٢٦.
٢ ـ الأعلى : ١٥ ـ ١٦.