فهي عاطفة ، ثمّ إن تقدّمها أمر أو إيجاب كاضرب زيداً بل عمراً ، أو قام زيد بل عمرو ، فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، وإن تقدّمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حاله ، وجعل ضدّه لما بعدها ، وأجيز أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها ، فيصحّ ما زيد قائماً بل قاعداً وبل قاعد ... ) (١).
أقول : إنّما ذكرت للقارئ أوّلاً أحكام بل ، ليرى بنفسه كيف يكون الدجل والتضليل عند الزاعم الكاذب ، فهل ما نسب إلى الحرّ العامليّ بقوله : ( بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق ... ) ، يكون هذا معرّفاً للحديث الصحيح؟ أليس كان اللازم وواجب الأمانة نقل الكلام السابق على بل ليصحّ فيه الإضراب؟
ثمّ إنّ بقية ما ذكره من كلام الحرّ العامليّ ، لأنّ الصحيح ـ عندهم ـ ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات ، ولم ينصّوا على عدالة أحد من الرواة إلاّ نادراً ، وإنّما نصّوا على التوثيق ، وهو لا يستلزم العدالة قطعاً ، بل بينهما عموم من وجه ، كما صرّح به الشهيد الثاني وغيره.
ودعوى بعض المتأخّرين أنّ الثقة بمعنى العدل الضابط ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها ، وكيف وهم مصرّحون بخلافها ، وحيث يوثّقون من يعتقدون فسقه ، وكفره وفساد مذهبه ، فهذا لا يدلّ على ما استنتجه حيث قال : ( فنستنتج من كلام العامليّ أنّ :
١ ـ أحاديث الشيعة كلّها ضعيفة.
٢ ـ لم ينصّ المصحّحين ـ كذا والصواب المصحّحون ـ للأحاديث على عدالة الراوي ، إنّما نصّوا على التوثيق فقط.
٣ ـ وثّق العلماء الفسّاق والكفّار وأصحاب المذاهب الفاسدة ... ).
ليس بهذا التضليل واللف والدوران والخداع تبحث الحقائق ، إنّها لمصيبة
____________
١ ـ القاموس المحيط ٣ / ٣٣٨.