ج : من حقّك أن تسأل مثل هذا ، فلابدّ للإنسان أن يعرف من أين مبدأه ، وإلى أين منتهاه ، وما هي العلّة من وجوده؟ فأنت في الواقع تسأل عن أصلين من أُصول الدين ، وهما : التوحيد والمعاد ، بالإضافة إلى الهدف من خلق الإنسان؟
وللإجابة على ذلك على نحو الإجمال ؛ هو أن تفهم أنّ البداية من الله ، وأنّ النهاية إلى الله ، وقد أوجز سبحانه ذلك بقوله : ( إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) (١).
أمّا ما هي الغاية أو الحكمة من خلق الإنسان؟ فهي التخلّق بالقيم والمثل الروحية والأخلاقية ، والاتصاف بالأسماء والصفات الإلهيّة ، وذلك يتحقّق بالعبودية لله تعالى.
وبما أنّك مسلم فلابدّ أن تعترف بالقرآن ، ولابدّ أن ترجع إليه لأنّه خير معين ، وهو يجيبك على ما في خلجات نفسك ، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٢) ، فالعبودية هي الغرض الإلهيّ من خلق الإنسان ، وكمال عائد إليه هي وما يتبعها من الآثار ، كالرحمة والمغفرة وغير ذلك ، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله ، كان هو الغرض الأقصى ، والعبادة غرضاً متوسّطاً.
وقد قال تعالى : ( ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) (٣) ، وقوله : ( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) تعليل لقوله : ( لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) (٤) ، أي إنّما انحصرت الألوهية فيه لأنّه خالق كلّ شيء من غير استثناء ، فلا خالق غيره لشيء من الأشياء حتّى يشاركه في الألوهية ، وكلّ شيء مخلوق له خاضع له بالعبودية فيها ، وقوله : ( فَاعْبُدُوهُ ) متفرّع كنتيجة على قوله : ( ذَلِكُمُ
____________
١ ـ البقرة : ١٥٦.
٢ ـ الذاريات : ٥٦.
٣ ـ الأنعام : ١٠٢.
٤ ـ البقرة : ١٦٣.