بما هو مذكور فيهما أو بأدنى تأمّل.
وثانيها : ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله من أنّه دعا أبا سعيد الخدري وهو في الصلاة فلم يجبه ، فقال صلىاللهعليهوآله : ما منعك أن لا تستجيب وقد سمعت قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ )(١).
بتقريب : أنّ التوبيخ على عدم الاستجابة فرع لوجوبها ، وتوجّهه من الحكيم إلى أبي سعيد دليل على فهمه إيّاه من الدعاء وهو من أهل اللسان فيكون فهمه حجّة ، مضافا إلى احتجاجه صلىاللهعليهوآله بالصيغة الواردة في الآية ، فإنّه ينبئ عن فهمه الوجوب عنها وهو أيضا حجّة لما ذكر.
واحتمال استناده في المقامين إلى خارج من اللفظ يندفع بما هو معمول به في سائر التبادرات ، فيندفع به ما عن الإحكام من أنّ القرينة على وجوب الأمر المذكور ظاهرة ، حيث إنّ فيه تعظيما لله ورسوله ودفعا للإهانة والتحقير الحاصل بالإعراض ، كما يندفع به ما عساه يتوهّم من اختصاص الحكم للأمر الوارد في الآية الشريفة ، وما في كلام بعض الأفاضل من أنّ غاية ما يستفاد منها كون الصيغة مفيدة للوجوب ظاهرة فيه وهو أعمّ من كون ذلك بالوضع أو من جهة ظهور الطلب فيه ، والظاهر أنّه على الوجه الثاني.
وأمّا ما قيل : من أنّ دعاءه لم يعلم كونه بصيغة الأمر ، ولم يعلم أيضا كون التوبيخ الوارد عليه من جهة مجرّد عدم إجابة الدعاء ، بل قد يكون من أجل الأمر الوارد في الآية الشريفة المقرونة بقرينة الوجوب.
ففيه : ظهور الدعاء مفهوما ومصداقا في كونه بصيغة الأمر كما هو الغالب الشايع ، ولو سلّم لكان في ثاني وجهي الاستدلال كفاية في ثبوت المدّعى مع المنع عن اقتران الآية بقرينة الوجوب.
نعم ، ربّما يستشكل في ذلك من جهة أنّ تتميم الاستدلال به ونظائره فرع ثبوت الصغرى ، وخبر الواحد ولا سيّما إذا كان مرسلا بل ونبويّا غير صالح لذلك. ودعوى : أنّه صالح لإفادته الظنّ وهو حجّة في اللغات ، مع توجّه المنع إليها لا تكاد تجدي في المقام ، فإنّ الظنّ الّذي هو حجّة في اللغات ما قام الدليل باعتباره بخصوصه من إجماع العلماء أو
__________________
(١) الأنفال : ٢٤.