حجّة القائلين بأنّه للقدر المشترك : أنّ الصيغة * استعملت تارة في الوجوب ، كقوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ، وأخرى في الندب ، كقوله : ( فَكاتِبُوهُمْ ) ، فان كانت موضوعة لكلّ منهما لزم الاشتراك. أو لأحدهما فقط لزم المجاز ؛ فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما ، وهو طلب الفعل ، دفعا للاشتراك والمجاز.
والجواب : أنّ المجاز ، وإن كان مخالفا للأصل ، لكن يجب المصير إليه إذا دلّ الدليل عليه **. وقد بيّنا بالأدلّة السابقة أنّه حقيقة في الوجوب بخصوصه ؛ فلابدّ من كونه مجازا فيما عداه ، وإلاّ لزم الاشتراك المخالف للأصل المرجوح
__________________
الافتقار إلى ملاحظة الواضع خصوصيّة زائدة على طبيعة الطلب واعتباره إيّاها في الموضوع له ، بل الوجه الموافق للأصل والاعتبار هو الاحتمال الأخير ، لافتقار ما عداه من الأوّلين إلى مؤنة زائدة على ملاحظة أصل الطلب ، فيدفع عند الشبهة بالأصل ، مع كون الوضع له من حيث هو توسعة في أمر اللغة وطريق المحاورة ، من حيث إنّ الموضوع له حينئذ صالح لأمرين يشتدّ الحاجة إلى كلّ منهما من دون عدم صلاحيّته إلاّ لأحدهما على الاحتمال الثاني الّذي صار إليه المستدلّ تعويلا على ما ذكره من الاعتبار ، مع أنّ نفي اعتبار المنع من النقيض الّذي هو أمر زائد على الرجحان لابدّ له من سند ، فلا وجه لإرسال الكلام خاليا عنه.
ولو سلّم أنّه الأصل المطويّ فيه فنسبته إلى احتمالي الندب والوجوب على نهج سواء ، لتساوي كليهما في الافتقار إلى فصل مميّز هو أمر زائد على أصل الرجحان.
غاية الأمر أنّه في الأوّل هو الإذن في الترك ، كما أنّه في الثاني هو المنع عنه ، فالاستناد إلى الأصل في نفي أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.
ولو سلّم ، فإنّما يفيد ذلك لتشخيص مراد المتكلّم من حيث إنّ المنع من الترك كالرضا به من صفاته ، ولا ملازمة بينه وبين الموضوع له ، فلم يكن المطلوب بذلك ـ وهو كون « الأمر » للندب بحسب اللغة ـ حاصلا كما لا يخفى.
* ومحصّل الدليل على ما في كلام جماعة : أنّ الحقيقة الواحدة خير من الإشتراك والمجاز ، [ و ] وجهه : مخالفة كلّ من الاحتمالين للأصل ، فيكون ما يوافقه خيرا.
** وملخّصه : أنّ أولويّة الوضع للقدر المشترك بين معنيين بالقياس إلى اشتراكه