ـ تعليقة ـ
ربّما يحكى عن القوم خلاف في كون الأمر بالأمر أمرا وعدمه منحصر في قولين ، ومن متأخّري الأصحاب الّذين عاصرناهم من ذهب إلى الأوّل ، ومن ذهب إلى الثاني كبعض الأعاظم ، وربّما يعزى ذلك إلى الأكثرين كما في الكواكب الضيائيّة (١).
وتنقيح المسألة يستدعي النظر في موضوع القضيّة وما تعلّق به ومحمولها ، من جهة ورود الكلّ بلفظ واحد ، ليتحرّر به ما هو موضع الخلاف ، ويتشخّص ما هو مجرى أدلّة الباب.
فنقول : إنّ موضوع القضيّة ليس المراد به معناه العرفي الّذي قد تقدّم البحث عنه وبيان الخلاف في كثير من قيوده ، للجزم بعدم مدخليّة لصدوره من العالي أو المستعلي أو العالي المستعلي بالخصوص في ذلك الخلاف ، بل المراد به معناه الاصطلاحي الّذي توهّمه جماعة كونه معنى عرفيّا وهو الصيغة ، لانطباق أمثلة الباب عليها وغير ذلك من الشواهد الّتي لا تكاد تخفى على المتأمّل.
نعم المراد بما يتعلّق بالموضوع ما يعمّ مادّة « الأمر » وصيغته ، لوجود الأمثلة في كلامهم من كلتا القبيلتين ، فمن الاولى قوله : « مرّ فلانا بكذا » ومن الثانية : « قل لفلان افعل كذا » إلاّ أنّ المعنى واحد ، لوضوح كون « قل لفلان افعل كذا » في معنى « مر فلانا بفعل كذا » وأمّا المحمول فيحتمل وجهين :
أحدهما : كونه أمرا بالقياس إلى متعلّقه وعدمه ، فتكون القضيّة في قوّة أن يقال : أنّ الصيغة المتعلّقة بالأمر بالشيء هل يراد منها ما يراد من الصيغة المطلقة ـ حسبما يقتضيه وضعها اللغوي من معانيها ـ أو لا؟ بل ينهض ذلك قرينة على إرادة خلافه من مجازاتها
__________________
(١) في الأصل : كما في كب ضه.