ـ الأمر الثاني ـ
اختلف القائلون بكون الأمر لطلب الماهيّة في كون ما زاد على المرّة الاولى من الثانية والثالثة امتثالا وعدمه ، على أقوال :
أحدها : كونه امتثالا ، وهو ظاهر المصنّف فيما ذكره ردّا على حجّة القائل بالمرّة ، والمحكيّ عن العضدي والتفتازاني.
وثانيها : العدم ، وهو لجماعة من المحقّقين منهم بعض الأعلام ، وبعض الأعاظم ، وابن عمّنا السيّد قدّس الله روحه (١).
وثالثها : التفصيل بين ما لو وجد الأفراد دفعة أو على التعاقب ، فعلى الأوّل يحصل الامتثال بالجميع وعلى الثاني لا امتثال إلاّ بالمرّة.
حجّة الأوّلين : شهادة العرف بأنّ الصيغة إذا كانت للقدر المشترك بين المرّة والتكرار ـ وهو طلب الحقيقة ـ فلا جرم يحصل الامتثال بأيّهما اتّفق.
واورد عليه تارة : بأنّه بعد الإتيان بالطبيعة في ضمن المرّة يتحقّق أداء المأمور به قطعا فيحصل الامتثال ، وهو قاض بسقوط الأمر ، ومع سقوطه لا مجال لصدق الامتثال ثانيا وثالثا.
وقد يعلّل ذلك : بأنّ الامتثال عقيب الامتثال مع وحدة الطلب غير معقول ، لأدائه إلى تحصيل الحاصل.
واخرى : بأنّ الامتثال بما زاد على المرّة مبنيّ على تعلّق الأمر به إمّا إيجابا أو ندبا ، فيلزم إمّا القول بالتكرار أو استعمال الأمر في الحقيقة والمجاز ، وكلاهما فاسدان.
ولا يخفى ما فيه من عدم صلوحه ردّا في هذا المقام ، لتمكّن الخصم عن دفعه باختيار كلّ من الشقّين ، ويقول : إنّ التكرار عند أصحاب القول به ما كان مدلولا للّفظ ناشئا عن الوضع ، وما التزمنا به من الامتثال الوجوبي فيما زاد على المرّة إنّما هو من مقتضيات العقل بعد دلالة اللفظ على طلب أصل الطبيعة ، بملاحظة أنّها لا توجد في الخارج إلاّ في ضمن الفرد ، فكما أنّها توجد في ضمن واحد من أفرادها فكذلك توجد في ضمن متعدّد منها ، فلابدّ من الإتيان بأحدهما مقدّمة لإيجادها الّذي هو المأمور به ، وبين المقامين بون بعيد.
وإنّ طريق إفادة الأمر كلاّ من الوجوب والندب غير منحصر في الاستعمال فيهما بالخصوص بما هو غير جائز أو مرجوح حتّى يلزم المحذور ، لجواز تعلّق الإرادة بما هو
__________________
(١) والمراد منه هو صاحب الضوابط قدسسره.