الواقع فعلا أو محرّم كذلك تركا لا تعدّ من العصيان بالضرورة ، ولا مخالفه عاصيا مستوجبا للعقوبة وهو واضح ، مع أنّه لو سلّم فإنّما يتمشّى في الأمثلة المذكورة لا في المقام ونظائره.
والسرّ في ذلك أنّ الدليل الدالّ على وجوب تحصيل العلم بالفراغ والخروج عن عهدة الواجب إنّما دلّ عليه على الإطلاق لا في زمان خاصّ ما دام الإمكان باقيا عقلا وشرعا.
ومن البيّن حصول الامتثال به بأداء الفعل الواجب بعد ظهور الفساد في الظنّ ، لأنّه فعل يقع حينئذ في حال إمكانه عقلا وشرعا من حيث وقوعه في الوقت المضروب له شرعا ، فالمكلّف بتأخيره لم يقدم على تفويت العلم الواجب عن نفسه ليكون مستحقّا للعقاب أو عاصيا.
غاية الأمر أنّه حين تأخيره ما دام ظانّا كان محكوما بالعصيان ، ومجرّد الحكم به مع ظهور فساد منشأ الحكم لا يوجب العصيان في متن الواقع ليترتّب عليه استحقاق العقوبة.
نعم في مسألة اشتباه القبلة يكون هذا الكلام متّجها لو لم يوجد ما يقضي بالخروج عن الشبهة في تمام الوقت.
وأمّا لو حصل الاشتباه أوّلا فأتى بالصلاة إلى بعض الجهات تاركا لمقدّمة العلم الواجب فحصل له بعد ذلك ما أوجب تبيّن جهة القبلة فصلّى إليها أيضا لم يكن مفوّتا لواجب جزما ولو فرضناه العلم بالفراغ ، لمكان حصوله حينئذ فلا عصيان ولا عقوبة من تلك الجهة جدّا ، ومحلّ الكلام أيضا من هذا الباب كما لا يخفى.
« الفائدة الثالثة »
إذا تضيّق الواجب بظنّ الفوات وعدم القدرة عليه في الزمن المتأخّر فأخّره إلى أن تبيّن فساد الظنّ ، فهل الوجوب الثابت له حينئذ ـ بمقتضى التحقيق المتقدّم ـ باق على التوسعة السابقة على الظنّ ، فلا يجب التعجيل في أدائه ما دام الوقت متّسعا ، أو على الضيق الثابت له حين الظنّ القاضي بوجوب المبادرة إليه فيجب التعجيل في أدائه ، القاضي بعدم جواز التأخير أيضا؟
فالّذي يتراءى في بادئ النظر هو الثاني لاستصحاب ما ثبت له في آن الظنّ وانتقاض التوسعة السابقة عليه به ، وهو وإن كان حكما ظاهريّا ـ كما هو قضيّة ظهور الظنّ فاسدا ـ قد أوجب ثبوته ذلك الظنّ إلاّ أنّه من مجاري الاستصحاب ـ بناء على ما يساعده التحقيق من جريانه في الأحكام الظاهريّة أيضا جريانه في الأحكام الواقعيّة ـ لشمول الأخبار الواردة في الاستصحاب مع ما عليه من بناء العقلاء وسيرة الأصحاب.