ـ تعليقة ـ
لا يخفى أنّ قضيّة ما حقّقناه من تعلّق الأحكام بالطبائع عدم اعتبار شيء من لوازم الوجود كالقدرة والقصد والاختيار ونيّة القربة وقصد الوجه ونحو ذلك في المأمور به بحسب الوضع المتعلّق بالأمر مادّة وهيئة.
أمّا الأوّل : فلما قرّرناه في محلّه من عدم مدخليّة الوجود في مداليل الألفاظ باعتبار الوضع.
وقضيّة ذلك عدم اعتبار شيء من لوازمه فيها حين الوضع ، مضافا إلى ما سنحقّقه من وضع أسماء الأجناس للماهيّات الملحوظة لا بشرط ، ولا يراد من ذلك إلاّ تعريتها عن الشروط الزائدة عليها ، وظاهر أنّ الوجود ولوازمه من الامور المذكورة امور زائدة عليها ، فلا ينبغي التأمّل في عدم اعتبار شيء منها في الوضع ولو بحكم الأصل الجاري هنا بلا إشكال.
وأمّا الثاني : فلوضوح أنّ الهيئة إنّما تلحق المادّة على حسب ما هي عليه من إطلاق أو تقييد ، فإذا فرضناها مطلقة فلابدّ من فرض الوضع للهيئة اللاحقة لها بهذا الاعتبار ، ضرورة أنّه لا يغيّر ما لها من مقتضيات الوضع الشخصي العارض لها ، فلا يوجب خروج المطلق مشروطا ولا انقلاب المشروط مطلقا ، فمقتضى الأصل اللفظي الناشئ عن الوضع بكلا اعتباريه أن لا يكون شيء من الامور المذكورة معتبرا في مداليل الأوامر حتّى يكون المأمور به مقيّدا.
ويرشدك إلى ذلك عدم خروج قول القائل : « طر إلى السماء » مخالفا لما يقتضيه الوضع واللغة ، وما يرى من عدم الصحّة الباعث على توجّه الذمّ والتقبيح فإنّما ينشأ عن حكم العقل بملاحظة حكمة القائل ، فهذا هو الأصل الأوّلي الثابت في جميع الأوامر المفيد في موارد الشكوك والشبهات بالنظر إلى الإطلاقات والأحوال الطارئة للمخاطبات.