ضرورة صحّة إسناد الفعل إليها إسنادا حقيقيّا لا يشوبه شكّ ولا ريب.
ودعوى : كون الفاعل هو الجوارح اشتباه صرف نشأ عن عدم التفطّن بكونها فيما بين الفاعل ومنفعله من باب الآلة ، وقياس ذلك على أمر السلطان بعض امرائه بفتح البلد مع الفارق ، للقطع بكونه هنا من باب التسبيب ، ضرورة أنّ الأمير المأمور بذلك سبب للفتح والمباشر هو العسكر ، والفعل إنّما يسند حقيقة إلى المباشر وإسناده إلى السبب مجازي ، ومحلّ البحث ليس من هذا الباب لكون إسناد الفعل إلى النفس إسنادا له إلى مباشره كما لا يخفى.
المرحلة الثالثة
في اشتراط الاختيار
فلو صدر عنه الفعل بإكراه الغير ففي كونه موجبا للامتثال نظر ، من أنّه حينئذ إنّما هو بمنزلة الآلة ، والمباشر للفعل هو المكره ، كما لو حرّك الغير يده بلا اختيار منه ، ومن صحّة إسناده إليه في العرف والعادة حقيقة ، كما في الآكل إذا اكره عليه.
ولا يبعد أن يقال : بأنّ بناء العرف ـ على ما يستفاد من تتبّع أوامرهم الجارية ، واستقراء خطاباتهم الدائرة ـ على اعتبار الاختيار ، حيث إنّه لا يزال الآمر عند تصوّر أطراف القضيّة لإرادة الطلب لا يتصوّر إلاّ المختار ، ولا يلقي الخطاب إلاّ إليه ، بل نرى أنّ النفوس السليمة لم تزل مشمئزّة عن فعل يؤتى به لأجلها عن إكراه ، بل العقلاء عند إرادة الطلب لو علموا بأنّ فلانا لا يأتي بمطلوبهم إلاّ بإكراه الغير لا يطلبونه منه ، وإنّما يطلبونه عمّن يأتي به مع ميله النفساني ورضائه واختياره ، فيكون ذلك ممّا يكشف عن أنّ الأمر والطلب إنّما يتعلّقان بالفعل الاختياري.
المرحلة الرابعة
في اشتراط نيّة القربة وقصد الاخلاص
في الامتثال بالمأمور به وعدمه
والأولى نظرا إلى وحدة الطريق جعل الواجب مطلقا موضوعا للبحث.
فاعلم أنّ الواجب عندهم ينقسم إلى التعبّدي والتوصّلي ، والمراد بالأوّل ما أمر به لأجل التعبّد ، بمعنى كون الباعث على إيجابه التعبّد به وإظهار العبوديّة ، وأمّا تعريفه : « بما أمر به للتقرّب والزلفى » فتعريف باللازم ولا بأس به ، غير أنّ الأوّل أنسب بلفظ المعرّف ،