من التصريح بمناسبة ذكرها في الأدلّة العقليّة الموجب لكون البحث عنها بحثا عن أحوال الدليل لا في فعل المكلّف ، وفي باب الأحكام الموجب لكونها من مبادئ المسائل الاصوليّة ، فإنّها على الأوّل تندرج في المسائل الاصوليّة وعلى الثاني في مبادئها الأحكاميّة ، وكيف كان فلا ينبغي التأمّل في عدم كونها من المسائل الفرعيّة.
وإذا تمهّد ذلك ، فقبل الشروع في البحث ينبغي إيراد مباحث يتحرّر بها مواضع الخلاف ، ويبيّن فيها معاني مفردات (١) قضيّة قولهم : « مقدّمة الواجب واجبة أو ليست بواجبة ».
المبحث الأوّل
في شرح ماهيّة المقدّمة وبيان أقسامها
والأصحّ أنّها مكسورة من مقدّمة الجيش بالكسر ـ على ما نصّ عليه جماعة من أئمّة اللغة ـ من قدم بمعنى تقدّم ، كما في قدّم بين يديه أي تقدّم ، ومنه قوله عزّ من قائل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ )(٢) أي لا تتقدّموا ، مع جواز كونها من التفعيل لا للتعدية بل للتكثير في الفاعل أو المفعول كما في « مؤتت الإبل » و « غلّقت الأبواب » أوّلها بالنظر إلى أنّها تقدّم الشارع فيها وطالبها على غيره ممّن لا يطلبها ، غير أنّها بهذا المعنى إنّما تناسب مقدّمتي العلم والكتاب ، ويمكن الفتح أيضا ليكون من المقدّم ضدّ المؤخّر ، والوجه واضح كوضوح المناسبة في جميع موارد إطلاقها.
وأمّا لفظة « التاء » يمكن كونها للتأنيث من مقدّمة الجيش التفاتا إلى أنّها فيها باعتبار وقوعها صفة لموصوف محذوف نسيا منسيّا وهو « الطائفة » أي طائفة مقدّمة من الجيش ، كما يمكن كونها للمبالغة على حدّ تاء « العلاّمة » أو الوحدة على حدّ تاء « سارية » لمن يسير في الليل منفردا.
وعلى أيّ حال فهي في عرفهم عبارة عمّا كان في ذاته وطبيعته صفة أوجبت تقدّمه على غيره ، فلذا عرّفوها : « بما يتوقّف عليه الشيء » وإنّما يصلح لذلك إذا كانت بمثابة ما
__________________
(١) والمقصود أنّ الكلام في تحرير محلّ الكلام في ثلاث :
الكلمة الاولى : في نفس المقدّمة وبيان أنواعها ، والكلمة الثانية : في الواجب الّذي يضاف إليه المقدّمة في قول مقدّمة الواجب ، والكلمة الثالثة : في الوجوب الّذي يثبت للمقدّمة.
وبالجملة محلّ النزاع يحرّر بالتكلّم في كلمات ثلاث ، وهي مبتدأ القضيّة وما اضيف إليه المبتدأ وخبر ذلك المبتدأ. ( منه عفي عنه ).
(٢) الحجرات : ١.