الشرط عن مشروط ، أو إرجاع الطلب إلى الإرادة والكراهة ، والأوّل غير معقول ، والثاني مناف لمذهبهم ، فالكلام النفسي الّذي يقولون به ، غير معقول من تلك الجهة ، لا لما ذكره الأصحاب من أنّ الكلام إذا كان إنشائيّا لابدّ فيه من عبارة صادرة وإرادة مضمون تلك العبارة أو كراهته ولا يعقل شيء آخر مغاير لهما.
[ الأمر ] الثاني
بعد اتّفاقهم على أنّ للوضع مدخليّة في دلالة الصيغة على الطلب كما هو الحال في سائر الألفاظ ـ اختلفوا في مدخليّة الإرادة أيضا فيها وعدمها.
فالعلاّمة في التهذيب والنهاية إلى أنّها تدلّ على الطلب من غير حاجة إلى إرادة اخرى.
وهو ظاهر العميدي والمحكيّ عن أصحابنا ، وقاطبة الأشاعرة ، والكعبي من المعتزلة.
وعن أبي عليّ وأبي هاشم الجبّائيين المصير إلى أنّه لابدّ مع ذلك الوضع من إرادة اخرى ، احتجاجا بأنّا نميّز بين الصيغة إذا كانت أمرا وبينها إذا كانت تهديدا ولا مميّز بينهما إلاّ الإرادة.
وتوضيحه : أنّا نميّز قوله تعالى ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) عن قوله تعالى ( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ )(٢) بكون الأوّل طلبا والثاني تهديدا ولم يحصل ذلك إلاّ من جهة الإرادة ، إذ لو لا إرادته الطلب من الأوّل والتهديد من الثاني لما حكمنا به.
وأجيب : بأنّ الصيغة إنّما يفتقر في دلالتها على الطلب إلى أمر آخر غير الوضع من إرادة أو غيرها لو كانت حقيقة في غيره كالتهديد ونحوه.
وأمّا إذا كانت حقيقة في الطلب خاصّة مجازا في غيره كانت مفيدة له عند إطلاقها مجرّدة عن القرائن كغيرها من الألفاظ الموضوعة.
وبمثل ذلك احتجّ العلاّمة في النهاية على نفي اعتبار الإرادة وهو : أنّها موضوعة للطلب فلا يتوقّف دلالتها عليه إلى إرادة كسائر الألفاظ ، مضافا إلى أنّ الطلب النفساني أمر باطني فلابدّ من الاستدلال عليه بأمر ظاهر ، والإرادة أمر باطني فتفتقر إلى معرّف كافتقار الطلب ، فلو توقّفت دلالة الصيغة على الطلب على تلك الإرادة لم يمكن الاستدلال بالصيغة على الطلب.
أقول : وكأنّ النزاع بين الفريقين صغرويّ مبنيّ على تفسير « الدلالة » بفهم المعنى من اللفظ على الإطلاق كما عليه المعظم ، أو على أنّه مراد المتكلّم كما عليه بعض الأعلام ،
__________________
(١) الأنعام : ٧٢.
(٢) فصّلت : ٤٠.