بالمقدّمة الشرعيّة لما في النسبة من كفاية أدنى الملابسة ككفاية أدنى المناسبة في التسمية.
وهو على التحقيق مبنيّ على ما هو الراجح في النظر من عدم كون الشرطيّة والسببيّة ونحوها من الوضعيّات مجعولة من الشارع بخصوصها ، وإنّما هي مفاهيم ينتزعها العقل عن الخطابات التكليفيّة المتعلّقة بالموضوعات الملحوظة مكيّفة بكيفيّات مخصوصة شرعيّة وغيرها ، وإلاّ فعلى القول الآخر لابدّ من كون التوقّف فيما بين السبب ومسبّبه والشرط ومشروطه حكما من الشارع ، لأنّ جعل السببيّة والشرطيّة في معنى الحكم بكون محلّهما ممّا يتوقّف عليه الغير الّذي يضاف إليه هذان الوصفان ، وحكم العقل حينئذ متأخّر تبعي لا يورث أثرا في المقام ، فإنّ حكمه بالتوقّف بملاحظة حكم الشرع بالسببيّة والشرطيّة لا يقضي برجوع هذه الامور إلى المقدّمات العقليّة ، كما أنّ حكمه بذلك بملاحظة قضاء العادة في العاديات لا يقضي بذلك ، وإلاّ لبطل التقسيم وانحصرت المقدّمة في العقليّة ، وكأنّ التسمية بالشرعيّة فيما ذكر نشأت عن أصحاب هذا القول فوافقهم الآخرون.
[ في تشخيص محلّ النزاع من أقسام المقدّمة ]
ثمّ إنّه بقي الكلام في تحرير موضع النزاع من أنواع المقدّمة ، فقد أشرنا سابقا إلى أنّها تنقسم إلى مقدّمة الوجوب ، ومقدّمة الوجود ، ومقدّمة الصحّة ، ومقدّمة العلم ، وإلى أنّ الأخيرين راجعان إلى الثاني من حيث المقدّمية ، ولكنّ النظر هنا إنّما هو في جريان النزاع الآتي في الكلّ وعدمه.
فنقول : لا ينبغي التأمّل في خروج المقدّمات الوجوبيّة عن هذا النزاع ، وعدم كون الأمر بالشيء أمرا بمقدّمات وجوبه ، من غير فرق بين ما كان منها مقدورا للمكلّف كتحصيل الاستطاعة في وجوب الحجّ وتحصيل النصاب في وجوب الزكاة ، وما لم يكن مقدورا كالقدرة والعقل والبلوغ ونحوه ، فإنّه ممّا لا يستريب فيه ذو مسكة وتصريحاتهم بذلك مملوّة في كتبهم الاصوليّة ، ونقل الاتّفاق عليه بالغ حدّ الاستفاضة.
وفي كلام المحقّق نفي الخلاف عن ذلك ، إلى أن قال : « فالتكليف بالحجّ مثلا ليس تكليفا بتحصيل الاستطاعة ، والتكليف بالزكاة ليس تكليفا بتحصيل للنصاب ... إلى آخره » وهو ظاهر أكثر عناوينهم حيث يعبّرون عن العنوان : « بأنّ الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ الواجب إلاّ به أو لا؟ » ولا يقولون : « أمر بما لا يتمّ الوجوب إلاّ به ».
وصريح العمدة من أدلة القائلين بالوجوب ـ الّتي اعتمد عليها كلّهم أو جلّهم ـ وهي